هذا كتابٌ حَوَى تحريراتٍ فائقة بعباراتٍ رائقة، لا تجدُها في غيرِه مِن كُتُبِ الفَتاوَى، فقد جَمَعَ جُلَّ الحَوَادِثِ التي تدعُو إليها البَواعث، مع تحرٍّ لِما هُو الأقوَى، وما عليه العمل والفَتوى، وهو محقَّقٌ على نُسخَةٍ خَطِّيةٍ وحيدة، لعلَّها تكونُ بخَطِّ المؤلف رحمه الله تعالى.
فهو كتابٌ يجمعُ الواقعات من كُتُبِ الفقه على مذهب الإمام أبي حنيفةَ النُّعمان، مع فرائِدَ مُلتقطةٍ مِنْ أبحُرِ كُتُبِ المَذهَبِ الشَّافعي، فقد كان مصنِّفُه مُفتي الحنفيةِ في زمانه، مع أنه شافعيُّ المَذهَبِ، فأحبَّ أنْ يزيِّن كتابَه ويطرِّزَهُ بجُملةٍ من أقوالِ واختياراتِ الشافعية، على أنه معدودٌ من كُتُب المَذهبِ الحَنَفيِّ، وهذه ميزةٌ له عن بقية كُتُبِ الفَتاوَى المُماثِلةِ له.
فكتابٌ هذا شأنُه حَرِيٌّ بأن ينالَ من الرِّعاية والعناية ما يستحِقُّه، وأن يُخْرَجَ للناس كي ينتفعوا به؛ إذ ما أحوجَ الناسَ اليومَ إلى مَنْ يُفتِيهِم في واقعاتِهم ونوازلِهم وما يَستجِدُّ من أمور دِينِهم.
لذلك فقد أولَينا هذا الكتابَ النَّفِيسَ كاملَ الرِّعَايةِ وغَايةَ الاهتمام، وإن المُطالِعِ لَيَلْحَظُ جَلِيًّا الجُهدَ المَبذُولَ فيه، بالمُقارَنةِ مع كُتُبِ المَذهَبِ الحَنَفيِّ المَطبُوعة؛ فإنك لا تكادُ تجدُ كتاباً قد وفَاه طابِعُه حقَّه، ولم تنلْ هذه الجواهرُ المنثورةُ مِنْ كُتُب الفقه الحَنَفيِّ حَقَّها مِنْ التَّحقِيق والإخراج بالمظهر الذي ناله وخرج به هذا الكتاب.
كما حظي هذا الكتاب بخدمةٍ استثنائيةٍ لم تحظَ به كُتُبٌ كثيرةٌ في هذا المَجال؛ إذ قُمنا بتنضيد أبرز المصادر التي اعتمد عليها المُؤلِّف؛ وذلك بُغيةَ تَسهِيلِ استخراج المسائل وتوثيقِها مِنْ مَصادِرِها الأصلِيَّة؛ ولعلَّ مِنْ أبر هذه المَصادِر: ((الفتاوى الخانية))، و((الفتاوى البَزَّازِية))، و((الفَتَاوى الخَيرية))، و((القُنية))، و((الدُّرُّ المُنتَقَى))