لقد نضر الله وجوه أصحاب الحديث، بدعاء النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، فهي مزية استأثروا بها، وخصيصة أُعطوها وفازوا بها؛ لمآثرهم الخالدة، وجهودهم المتتابعة.
فهم الأئمة الأعلام، الذين ذبوا عن الإسلام، فقعَّدوا القواعد، ووضعوا الشروط ومحصوا الأسانيد، وضبطوا المتون، ودوَّنوا تراجم الرجال، وحفظوا التواريخ.. كل ذلك لأجل الدفاع عن السنة النبوية.
فحفظ الله بهم هذا الدين، فنفوا عنه تحريف الغالين، وتنطع المتنطعين، وردوا الزيف والمنحول، فآضت السنة النبوية صافية المورد، عذبة المنهل.
ولقد ألف لنا العلماء المؤلفات المتعددة في فن مصطلح الحديث، ومن هذه المؤلفات الثمينة في هذا الباب، والتي هي أول لبنة تؤسس عند الطلاب، منظومة العلامة البيقوني رحمه الله تعالى، لقد طارت إلى كل الأقطار، فحفظها الكبار والصغار؛ لسهولتها وعذوبتها، وسلاستها وحسن نسيجها.
لقد تربعت على صدور المتصدرين للعلم الأثري، فقلما تجد طالب حديث إلا وقد استظهرها، مما جعل أقلام العلماء تتوارد لشرحها، وتتسابق لإبراز معانيها وكشف محاسنها.
وممن شارك في شرحها والتذييل عليها السيد العلامة والفقيه الأصولي: شهاب الدين أحمد الحموي الحنفي، المتوفى سنة (1098هـ) رحمه الله تعالى.
وقد تميز شرحه هذا بحسن التقسيم، وجودة الشرح، وإيراد الأمثلة الشارحة المبينة لكل أصل وفرع، وكان حريصاً على نقل النصوص وعزوها لأهلها، ناصاً على الراجح من المرجوح، مع لطف في الإشارة، وحسن سبك للعبارة.
وهذا الشرح تشرق شمسه أولَ مرة، وتنير أشعته في آفاق المعرفة، بعد أن كان مركوماً في دهاليز المخطوطات، هيأ الله له من ينفض الغبار عنه، ويظهر نوره، فيستضيء به طلاب علم الحديث خاصة، وطلاب العلم عامة.
وها هو كتاب «تلقيح الفكر» يشرق علينا بمحياه باسماً، يطل على الطالبين من دار المنهاج العامرة، يرفل في حلل الفنون المطبعية، ويغري من رآه بشاراته البهية إلى مسامرته، ويرغبه في اقتنائه ومنادمته