فهو موسوعة قرآنية، مادته الكلمة وأخواتها ، فللكلمة القرآنية ولغتها فلسفة خاصة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بإعجازه. وقد كان القدماء يعبرون عن ذلك بـ (النظم القرآني)، والمتأخرون بـ (البيان القرآني) أو (الإعجاز القرآني) ؛ ويقصد به تأليف حروفه وكلماته وجمله وسبكها مع أخواتها في قالب مُحكم، ثم طريقة استعمال هذه التراكيب من الأغراض مع أخواتها في قالب محكم وطريقة استعمال هذه التراكيب في الأغراض التي يتكلم عنها للدلالة على المعاني بأوضح عبارة في أجمل نظم.
والمتأمل في حروف القرآن الكريم وكلماته لا يجد فيها شيئاً خارجاً عن المألوف المتداول في لغة العرب قديماً وحديثاً؛ غير أن للعبارة القرآنية كياناً خاصاً بُنيت عليه تراكيبه ورُسمت صور نظمه الفريد .. فقد بهر النظم القرآني العرب بحسن مبادئ الآية، والمقاطع، وتماسك الكلمات واتساقها مع التراكيب .. ومن مزاياه اهتمامه بالجملة القرآنية واختيار المكان المناسب فيها للكلمة المعبرة . إن هناك نوعاً من التناسق الرائع بين الكلمات في الجملة الواحدة وبين الحروف في الكلمة الواحدة، كما أن وضع الكلمة في الآية واختيار موقعها والتئامها مع جاراتها له الأثر الكبير في إعطائها الجرس الخاص المؤثر في النفس .. ولا يقتصر وضع الكلمة في الآية على تأثيره في اللحن، وإنما لهذا الموقع والوضع المناسب تأثير على المعنى وإبرازه.
لقد كشفت جهود العلماء كالباقلاني ومن سبقه أو من جاء بعده إلى إبراز السمات الموضوعية للأسلوب القرآني التي وصلت به إلى درجة الإعجاز، فهم يرون أن السمات المميزة للأسلوب القرآني متعددة منها مغايرة الأسلوب القرآني لجميع أنماط التعبير المعروفة عند العرب، وعدم التفاوت الفني في الأسلوب القرآني .. فالقرآن الكريم في جميع سوره وآياته على درجة واحدة من البلاغة، ولا يتدنى عن شيء، وتلك سمة لا طاقة للبشر بها .
إن مكانة الكلمة في النظم القرآني المعجز ليست ذاتية، وإنما تعود قيمتها إلى مكانها من النظم المعجز الأخاذ، ومعلوم أن التحدي لم يحصل بالكلمة بل أقل ما حصل بسورة.
ويظهر الإعجاز اللغوي في الكلمة القرآنية من عدة وجوه:
وثانيها : إن الكلمة القرآنية مسوقة في موقعها المناسب بحيث تعطي بمدلولها ما تلقيه من ظلال المعنى المراد بكماله وتمامه مع ما فيه من إيحاءات، ولو استبدلت بغيرها ما أفيد المعنى المراد.
جمعت هذه الكلمة الاتيان بالخير كله، والبعد عن الشر كله.
وثالثاً: إن هناك بعض الكلمــات يظن القارئ أنها مترادفـــــــة، فلو تأملنا استعمالاتها في القرآن لرأينا بعضها استعمل في موطن وبعضها الآخر في موطن آخر، وفي كل موضع يبلغ التعبير القرآني ذروته في حسن الصياغة ودقة التعبير، فكل لفظة في القرآن مقصودة لذاتها، ولهذا يدعونا القرآن للتأمل وإعمال الذهن في التفريق بين اللفظة وشبيهاتها .. فالحقيقة أن الكلمات القرآنية لها دور، وضرورة في السياق للدلالة على المعنى، كما أن لها دوراً في تناسب الإيقاع .. وجميع كلمات القرآن رتَّبها عزّ وجل بتناسق وتدرج وإعجاز لغوي مُحكم، ويستطيع كل مؤمن أن يبحر في رحاب كلمات الله تعالى ويرى عجائبه التي لا تنقضي مستجيبين لنداء الحق تبارك وتعالى .
كما أن الترادف الذي يعني التقارب في المعنى له شاهده من القرآن، يقول تعالى: (( قل عسى أن يكون ردف لكم بعض الذي تستعجلون )) [ النمل72] أي اقترب لكم بعض الذي تستعجلون.
فالقرآن الكريم يتناول من الكلمات المترادفة أدقها دلالة على المعنى، وأتمها تصويراً وتشخيصاً للصورة وأجملها وأحلاها إيقاعاً ووزناً بالنسبة لنظائرها . أما الأسلوب القرآني فيلاحظ فيه الانتقال في شتى الاتجاهات في لحظات متقاربة متتالية .. وتبقى للكلمة ونسقها أهمية فهي أصل الدقة في التعبير القرآني ولها فلسفتها الخاصة في كل موضع . فالنكرة لها شأنها، والمعرفة لا تقل عن ذلك، والأفعال لها دلالاتها، ومثل ذلك اختيار المفرد أوالجمع وغيره من أنواع التصريفات؛ شرط أن يكون ذلك محكوما بدقة المعنى، فضلاً عن تحديد المدلول، حتى تمسي الكلمة كأنها خلقت لهذا الموضع دون غيره وعلى وفق حاجته .. فهي دقيقة في الموضع تتسق مع المعنى المراد في الآية، بل مع السورة كلها أو القرآن الكريم، فضلاً عن دقتها في الوصف والانتقاء، وفي تحديد المعنى.
موسوعة الكلمة وأخواتها في القرآن الكريم
عدد: 12 مجلداً