حصن حصين ودرع متين لعقيدة أهل السنة والجماعة، واضعه هو حجة الإسلام والمسلمين وفخر أهل الملة الحنيفية الإمام الغزالي رحمه الله.
حبَّره في نهاية العقد الرابع من عمره المبارك، وهو يومها إمام في الكلام والجدل، قد طاع له عويصه، فلانت بين يديه العبائر، فما ترك من غامض إلا وكشف ستاره، ولا من لطيف معنىً وغور فهم إلا وفضَّ أبكاره.
وهو كتاب يلمُّ في أبوابه وأقطابه بأصول العقيدة وأدلتها وبراهينها، وردِّ شبه الخصوم ودعاويهم، لا كما يظن البعض أنه مقتصر على الزبد والخلاصات.
نعم؛ هو بعيد عن الحشو والتطويل.
و«الاقتصاد» من الكتب التي شهد لها العلماء بالفضل والرفعة، ومن اللبنات التي تؤسس لطالب علم جديرٍ بإدراك ما يدور حوله، فيكون له النشاط الفعَّال في مجتمعه.
وكم تشكّى أهل العلم من طبعات «الاقتصاد»، وهم مع ذلك يلازمون إقراءه وتدريسه والرجوع إليه؛ لِمَا للكتاب من تحرير وتقرير قل نظيره.
والمتأمل في «الاقتصاد» يكاد يقضي عجباً، فهو وإن ألَّفه في القرن الخامس الهجري.. إلا أنه كأنما أُلِّف ليكون سمير القرون من بعده، فسترى فيه – وبينك وبين مؤلفه تسعة قرون – ما يرفع عنك إصر اعتقادات زائفة ما زالت تغلي وتفور إلى هذا اليوم، لم تغير ولم تبدل إلا أسماؤها ليس غير.
أما البحث الأخير الذي تصدَّى لوضعه المؤلف الإمام، وهو تفصيل القول في مسائل التكفير وما يستلحق بها.. فعليه المعول، وهو خاتمة القول في هذا المقام، ما جَرُؤَ على مخالفته إلا عتيد، لم ينفَكَّ بعدُ عن ربقة التقليد.
والعناية العلمية والفنية التي بذلتها دار المنهاج في إخراج هذا الكتاب ترجو من ورائها الأجر والمثوبة ببعث ما اندرس من فقه الاعتقاد، وقلع ما تشبَّث من الأوهام والشبهات.
وطبعتنا اليوم أعيد النظر فيها، مع استئناس ببعض المخطوطات الهامة، واستلحاق لبعض التعليقات العلمية الجديدة، وضبط إعرابي تام مراعاةً لشرائح قرَّائه، من العرب والمسلمين، ابتغاء الأجر والثواب من المولى الوهاب.
ولله الحمد والمنة