الفقه يمان والحكمة يمانية، شهادة سطرها التاريخ من سيد الأنام عليه الصلاة والسلام، لأهل اليمن الكرام، وهذا الكتاب دليل على ذلك وهو لأحد أولئك الأعلام، الذين ملؤوا الدنيا وشغلوا الناس، إنه الإمام ابن المقري رحمه الله.
لقد حاز قصب السبق، وكانت له اليد الطولى في إبراز إبداع جديد؛ لأنه خرج عن النمط المألوف في التصنيف والتأليف، وجاء حقاً بما لم تستطعه الأوائل.
ومصداق قولنا وشاهد حديثنا: كتابه «الشرف الوافي» فهو كتابٌ نسيجُ وحده، ألفه في الفقه والنحو والتاريخ والعروض والقوافي، وهو الشاعر البليغ وبالشعر اشتهر، وله قصائد تقرأ على أوجه، ومنها تقرأ طولاً وعرضاً، ومنها تقرأ طرداً فتكون مدحاً، وتقرأ عكساً فتكون ذماً!!
ومن إبداعاته هذا المؤلف: الموجز المختصر في المذهب الشافعي الذي سماه «إرشاد الغاوي إلى مسالك الحاوي» حيث اختصر فيه كتاب «الحاوي الصغير» للإمام القزويني، فنال الرضا والقبول عند أهل العلم.
ولقد أقبل الطلاب على هذا المختصر، وحفظوه عن ظهر قلب، من شرق وغرب، لقد بلغ عدد النساء اللواتي حفظنه في عهد الدولة الرسولية في اليمن (5000) امرأة، فضلاً عن الرجال، وكانت نساء زبيد وتهامة يرددنه حال أعمالهن اليومية، وفي وقت الحصاد، فماذا يردد أبناؤنا وبناتنا ونساؤنا اليوم؟!
لقد تربع هذا المختصر على رأس السلسلة الفقهية عند المتعلمين، فبعد أن يقرأ الطالب متن «المقدمة الحضرمية» وشرحها «المنهج القويم».. ينتقل إلى قراءة كتاب الإمام النووي رحمه الله تعالى «منهاج الطالبين»، وربما يشرع في قراءة «فتح الوهاب» لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري، فإذا أتمه.. يحط الرحال عند «الإرشاد».
ولقد اهتم العلماء بهذا السفر النافع، فتسابقوا لكتابة شروح وحواشٍ عليه، بل ومنهم من نظمه من ألفه إلى يائه، قال مؤلفه في مقدمته: (وبعد: فهذا مختصر حوى المذهب نطقاً وضمناً، خميصٌ من اللفظ بطينٌ من المعنى).
ودار المنهاج تزف بشراها لقرائها الكرام بهذه الدرة الثمينة، التي تسطع شمسها أولَ مرة دون أفول، وإنها لترجو أن يكون «الإرشاد» إرشاداً للعقول، ومن المولى سبحانه القبول