إن التكاليف الشرعية من أدق الأعمال، فيجب العلم بمسائلها ما أُجمل منها وما فصِّل، وحيث كان علم الفقه هو دواء علتها، وعليه مدار صحتها.. كان من بين العلوم أجدر بالعناية، وأحقها بتمام الرعاية، وقد أكثر أهل العلم من تدوين ذلك.
وكتابنا «الجواهر النقية»: استخلصه مؤلفه من نفائس ما ألف في فقه السادة الشافعية، ورصعه بفرائد ودرر؛ مما هو مقرر بالجامع الأزهر، والمعاهد الدينية آنذاك، وما زال مرجعاً للعلماء والطلاب؛ وذلك فضل الله سبحانه.
فإن هذا الكتاب فريد في بابه، سابق لأترابه، لم ينسج أحد على منواله، ولا سطر على مثاله؛ لأنه مع لطافة حجمه اشتمل على ما لم تشتمل عليه المطولات، واجتمع له ما لم يجتمع لغيره من المسائل والصور والتفريعات، والفوائد والتنبيهات.
وهو كتاب سهل نافع، يصل إلى أذهان الطلبة دون استئذان، وما ذاك إلا لإخلاص مؤلفه وتوفيق الله له باختيار عباراته الرائقة، وتدقيقاته الفائقة فنال الرضا عند العلماء والمتعلمين من الطلاب الدارسين.
اتبع المؤلف مدرسة الإمام الجمال محمد بن الشهاب الرملي رحمهم الله تعالى؛ فهو من أهل مصر، الذين شاع فيهم عامة، وفي علمائهم خاصة اعتماد ما ذهب إليه الإمام الرملي في كتبه، وخاصة في «نهاية المحتاج» فاتخذه قدوة، وجعل هذه المدرسة له أسوة.
وهذه المدرسة تقابل أختها في بلاد الحجاز واليمن وغيرهما من البلاد؛ إنها مدرسة الإمام ابن حجر الهيتمي رحمه الله تعالى، ولكلتا المدرستين أثر كبير في فقه السادة الشافعية.
والعلامة البنهاوي رحمه الله تعالى اختار ما اعتمده الإمام الرملي غالباً، وأضاف بعض القيود والتنبيهات، ومال في بعض المسائل إلى ما اعتمده ابن حجر الهيتمي رحمه الله تعالى.
وما ذكره من قول ضعيف.. نبهنا عليه وأشرنا إليه إتماماً للفائدة، وحرصاً على إظهار القول المفتى به، أو الذي جرى العمل عليه.
فهذه هي الجواهر النقية، تقدمها دار المنهاج العلية، للفقهاء والمتعلمين من السادة الشافعية، نسأل الله الإخلاص في القول والعمل، وأن يتجاوز لنا عن الخطأ والزلل