المقصد الاسنى في شرح اسماء الله الحسنى – الامام الغزالي
المقصد الأسنى شرح أسماء الله الحسنى هو كتاب من تأليف الإمام الغزالي الطوسي (ت. 505 هـ)، وهي محاولة لشرح معاني أسماء الله الحسنى. قال الغزالي في بداية الكتاب
«فقد سألني أخ في الله عز وجل يتعين في الدين إجابته، شرح معاني أسماء الله الحسنى. وتواردت علي أسئلته تترى، فلم أزل أقدم فيه رجلا وأؤخر أخرى، ترددا بين الانقياد لاقتضائه، قضاء لحق إخائه، وبين الاستعفاء عن التماسه، أخذا بسبيل الحذر، وعدولا عن ركوب متن الخطر، واستقصارا لقوة البشر، عن درك هذا الوطر.»
ويقول محمود بيجو أن هذا الكتاب يفند مزاعم القائلين بأن الغزالي قال بالإتحاد أو الحلول،
«فكتابه هذا خير شاهد على بطلان تلك المزاعم والدعاوى الجائرة».
يعد الكتاب واحدا من اهم وابرز الكتب العلمية التي بحثت في مسالة الاسماء والصفات الالهية لله عز وجل من حيث معنى الاسماء الحسنى وهيئة رجوعها الى صفات المعاني الذاتية او الصفات السلبية التنزيهية مع تدوين سطور ماتعة في الية تفعيل الاعتقاد بها
يعد الغزالي من بين العلماء الذين اهتموا بشرح معاني أسماء الله الحسنى، حتى أفرد لها كتابا صغير الحجم عظيم الفوائد، والتي تعود على الإنسان المؤمن بالمنافع الوافرة، وتوثق الصلة بينه وبين ربه، لأنه من عرف الله سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته، وتخلق بذلك في حياته وكان كما يحب الله ويرضاه، فقد نال عند الله منزلة عظيمة، وفاز بقربه من ربه فوزا عظيما.
محتويات الكتاب و موضوعه:
قسم الإمام الغزالي كتابه إلى ثلاثة فنون:
وفصول الفن الأول تلتفت إلى المقاصد التفات التمهيد والتوطئة، وفصول الفن الثاني تشتمل على بيان معاني أسماء الله الحسنى، وفصول الفن الثالث تنعطف عليها انعطافه التتمة والتكملة، ولباب المطلب ما تنطوي عليه الواسطة. الفن الأول: في السوابق والمقدمات: فيشتمل على بيان حقيقة القول في الاسم والمسمى والتسمية، وكشف ما وقع فيه من الغلط لأكثر الفرق، وبيان أن ما يتقارب معناه من أسماء الله تعالى كالعظيم والجليل والكبير هل يجوز ان يحمل على معنى واحد فتكون هذه الأسماء مترادفة، أم لابد وأن تختلف معانيها؟ وبيان أن الاسم الواحد الذي له معنيان هل هو مشترك بالإضافة إلى المعنيين يحمل عليهما حمل العموم على مسمياته، أم يتعين حمله على أحدهما؟ وبيان أن للعبد حظا من معنى كل اسم من أسماء الله تعالى. الفن الثاني: في المقاصد والغايات: يشتمل على بيان معاني أسماء الله تعالى التسعة والتسعين، وبيان أن جملتها كيف ترجع، على مذهب المعتزلة والفلاسفة، إلى ذات واحدة لا كثرة فيها. الفن الثالث: في اللواحق والتكميلات: ويشتمل على بيان أن أسماء الله تعالى تزيد على تسعة وتسعين نصا وتوقيفا، وبيان فائدة الإحصاء والتخصيص مائة إلا واحدا، وبيان الرخصة في جواز وصف الله سبحانه وتعالى بكل ما متصف به، وإن لم يرد فيه إذن و لا توقيف، إذ لم يرد منع، فأما ما أشعر معناه بنقص فلا يقال في حق الله تعالى ألبتة إلا ان يرد فيه إذن، فيقال من حيث الإذن ويؤول على ما يجب في حق الله تعالى، وانه قد يمنع في حق الله تعالى إطلاق لفظ، فإذ قرن به قرينة جاز إطلاقه، وانه يدعى سبحانه بأسمائه الحسنى كما أمر، حتى إذا جاوزنا السماء اإلى أن ندعوه بصفاته دعي بأوصاف المدح والجلال فقط، ولا يدعى بكل ما يجوز أن يوصف ويخبر به عنه من الأوصاف والأفعال إلا أن يكون فيه مدح وإجلال على ما ذكرنا ونذكره بعد في موضعه مفسـرا إن شاء الله تعالى.
سبب تأليفه للكتاب: يذكر الإمام الغزالي سبب تأليفه للكتاب بقوله :”فقد سألني أخ في الله عز وجل يتعين في الدين إجابته، شرح معاني أسماء الله الحسنى. وتواردت علي أسئلته تترى، فلم أزل أقدم فيه رجلا وأؤخر أخرى، ترددا بين الانقياد لاقتضائه، قضاء لحق إخائه، وبين الاستعفاء عن التماسه، أخذا بسبيل الحذر، وعدولا عن ركوب متن الخطر، واستقصارا لقوة البشر، عن درك هذا الوطر. وكيف لا ! وللبصير عن خوض مثل هذه الغمرة صارفان: (أحدهما ): أن هذا الأمر في نفسه عزيز المرام، صعب المنال، غامض المدرك، فإنه في العلو في الذروة العليا والمقصد الأقصـى، الذي تتحير الألباب فيه، وتنخفض أبصار العقول دون مباديه فضلا عن أقاصيه. ومن أين للقوى البشرية أن تسلك في صفات الربوبية سبيل البحث والفحص والتفتيش ! وأنى تطيق نور الشمس أبصار الخفافيش ! (والثاني): أن الإفصاح عن كنه الحق فيه يكاد يخالف ما سبق إليه الجماهير، وفطام الخلق عن العادات ومألوفات المذاهب عسير، وجناب الحق يجل عن أن يكون مشـرعا لكل وارد، أو يتطلع إليه واحد بعد واحد. ومهما عظم المطلوب قل المساعد”.
شرح معاني بعض الأسماء: يقول الله سبحانه وتعالى:(قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً). نأتي على شرح بعض الأسماء التي وردت في كتاب “المقصد الأسنى” وهي كالتالي: الله: اعلم أن هذا الاسم أعظم أسماء الله عز وجل، التسعة والتسعين، لأنه دال على الذات الجامعة لصفات الإلهية كلها حتى لا يشذ منها شيء، وسائر الأسماء لايدل أحادها إلا على آحاد المعاني، من علم أو قدرة أو فعل أو غيره. وأشار الغزالي إلى دقائق ولطائف تستفاد من هذا الاسم ومعناه: هو أن معاني سائر الأسماء يتصور أن يتصف العبد بشيء منها حتى ينطلق عليه الاسم، كالرحيم والعليم والحليم والشكور وغيره، وإن كان إطلاق الاسم عليه على وجه آخر يباين إطلاقه على الله عز وجل، وأما معنى هذا الاسم فخاص خصوصا لا يتصور فيه مشاركة، لا بالمجاز ولا بالحقيقة، ولأجل هذا الخصوص يوصف سائر الأسماء بأنها اسم الله عز وجل، ويغرف بالإضافة إليه، فيقال: الصبور والشكور والملك والجبار من أسماء الله عز وجل.
الرحمن: اسم مشتق من الرحمة، والرحمة تستدعي مرحوما، ولا مرحوم إلا و هو محتاج، والذي ينقضي بسببه حاجة المحتاج من غير قصد وإرادة وعناية بالمحتاج لا يسمى رحيما، والذي يريد قضاء حاجة المحتاج ولا يقضيها، فإن كان قادرا على قضائها لم يسم رحيما، إذ لو تمت الإرادة لوفى بها، وإن كان عاجزا فقد يسمى رحيما باعتبار ما اعتوره من الرقة، ولكنه ناقص. الخالق: فلا مدخل للعبد أيضا في هذين الاسمين إلا بنوع من المجاز بعيد، ووجهه: أن الخلق والإيجاد يرجع إلى استعمال القدرة بموجب العلم. وقد خلق الله تعالى للعبد علما وقدرة، وله سبيل إلى تحصيل مقدوراته على وفق تقديره وعلمه. الرازق: هو الذي خلق الأرزاق والمرتزقة، وأوصلها إليهم، وخلق لهم أسباب التمتع بها. (والرزق رزقان): ظاهر، وهي الأقوات والأطعمة، وذلك للظواهر وهي الأبدان، وباطن، وهي المعارف والمكاشفات، وذلك للقلوب والأسرار، وهذا أشرف الرزقين، فإن ثمرته حياة الأبد، وثمرة الرزق الظاهر قوة الجسد إلى مدة قريبة الأمد، والله عز وجل هو المتولي لخلق الرزقين والمتفضل بالإيصال إلى كلا الفريقين، ولكنه يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر. منهجه في الكتاب: يتحدد منهج الغزالي في كتابه “المقصد الأسنى” في : “أن العقل هو المميز، وهو مناط الأمانة التي كلف الله تعالى الإنسان بها، وأنه قاض لا يعزل ولايبدل. وأما الشرع فهو الشاهد والمزكي والمعدل. ومع أهمية العقل وخطورته، فإنه ليس مستقلا بالإحاطة بجميع المطالب، ولا كاشفا للغطاء عن جميع المعضلات، والعقل ـ لضعفه وقصوره ـ يعجز أحيانا عن أن يبدي الرأي في مسألة ما ، فيسعفه الوحي أو الإلهام يتبيانها، فتارة يدرك العقل وجه الحكمة فيها، وهنا يستطيع أن يسد من أزر الوحي والإلهام بما يمكنه من فنون الأدلة الفكرية وضروب المحاولات العقلية. وتارة لا يدرك وجه الحكمة، فيقف صامتا لا يملك المساعدة، وليس معنى هذا القول باستحالة المسألة عنده، ففرق كبير بين ما يعجز العقل عن إدراكه، وبين ما يدرك وجه إستحالته”