البوصيري رحمه الله من أقطاب المحبين، شفعَ الإبداع الأدبي بالمحبة الصَّادقة لذي الخلق العظيم، والتَّوقير لمن هو بالمؤمنين رؤوف رحيم.
فجاءت رائعته القصيدة الهمزية عقوداً لؤلؤية تستهوي القلوب، ويتعشَّقها أولو الذَّوق الروحي، ويتغنى بها المغرمون المتعطِّشون لبلوغ المنهل الروي؛ ليستمدوا منه النهج السوي.
وهي ألحان تعظيم وإكبار لصاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم.
سكب البوصيري في أحرفها إحساساته ومشاعره، ونفخ فيها من روح أدبه.. فصافحت الأفئدة، وشنَّفت الأسماع، وانتشر جمالها وعبيرها يملآن الدُّنيا.
ولقد أنصفه أمير الشعراء إذ يقول في نهج البردة:
مديحه فيك حب خالص وهوىً وصادق الحب يملي صادق الكلم
لذا؛ فقد كان من عناية الله بهذه القصيدة أن قيَّض لها فريد دهره ووحيد عصره، بقية السلف وفخر الخلف، خاتمة الفقهاء والمحدِّثين، العلَّامة الإمام أحمد ابن حجرٍ الهيتميَّ المكيَّ، مجدِّد القرن العاشر، صاحب التَّآليف النَّافعة والمآثر.
لذلك.. فإنَّ «المنح المكية في شرح الهمزية» هو شرح شافٍ كافٍ، وبالمقاصد العليَّة وافٍ، فقد حلَّى طروس الهمزية بجواهر لفظه، ودبَّجها بغرر علمه وعميق فهمه.
جمع فيه بين فنون عديدة، وقيَّد في دفَّتيه فوائد فريدة، ومباحث عزيزة سديدة، تتراءى رقَّة مشاعره بين سطوره، ولطفُ الأحاسيس ينساب من عباراته، والمحبة الأكيدة تنبض من حروفه، والإعظام للجناب العلي يتجلَّى في نثره ونظمه.
وما روَّى القلب شيءٌ كنورِ مديحه عليه الصلاة والسلام، يعرف هذا أربابُ الحبِّ، وعشّاقُ نورِ جماله .
و«الهمزية» و«المنح المكية» من تلك المنابع النوريَّة الرقراقة التي تنير قلوب المحبِّين.
وأخيراً.. إليكم معشر المحبين «المنح المكِّيَّة» في ثوبها الزَّاهي القشيب، يميس في حلل الأناقة والتحقيق، ويتهادى في بردة الجمال والتدقيق