في هذا الكتاب أحاول أن أعرض تاريخ علم اللغة وأن أتفهم دورانه المستمر حول مسألة إلى أي مدى يعد علم اللغة علماً مستقلاً في مقابل علوم السلوك، وبخاصة علم النفس. وفي رأيي أن المدارس المتضادة في علم اللغة يمكن أن تقسم حسب موقفها من إشكالية الأسس هذه إلى معسكرين كبيرين: ما هو مادي آلي ( النحاة الجدد والبنيوية الأمريكية)، وما هو موجود على الأقل بالقرب من المثالية (البنيوية الأوربية لدى أتباع دي سويسر والنحو التوليدي). لن أخفي ميولي، برغم بعض تحفظات، إلى جانب الآليين لأن نهجهم يبدو لي أكثر قدرة على التطور وأكثر عقلانية وأقل إنغلاقاً. وكان قصدي أن أعرض قيمة الطرائق الآلية وإشكالية الطرائق الأخرى فيما يختص بصلاحيتها لمحاولات الحل في المجالات الحية في الوقت الحاضر لعلم اللغة التطبيقي عرضاً أكثر تفصيلاً. ولكن لما كان ذلك يتطلب تحليلاً أكثر شمولاً وأشد تعمقاً في الجزئيات مما بدا ممكناً ومجدياً في إطار هذا الكتاب، وجب أن يتخلى عن ذلك ويمكن في إضاءة موجزة فقط أن توضح بعض الجوانب.