هذا الكتاب من أعمدة كتب السلوك والرقائق، وضعها مؤلفها لأهل الارتقاء في مقامات الإحسان، المشتغلين بتحقيق معاني التقوى في أقوى مبانيها وأوسع معانيها.
وقد بنى الإمام القشيري كتابه على توضيح جانبين:
– الجانب الأول: سيرة رجال السلوك وبعض أقوالهم، وذكر كثيراً من أعلامهم كنماذج يسير المريد على هديها.
– والجانب الثاني: ذكر مبادئ السلوك ومناهجه، حيث قال رحمه الله تعالى: (ذكرت فيها بعض سير شيوخ الطريقة، في آدابهم، وأخلاقهم، ومعاملاتهم،
وعقائدهم بقلوبهم، وما أشاروا إليه من مواجيدهم، وكيفية ترقيهم من بدايتهم إلى نهايتهم، لتكون لمريدي هذه الطريقة قوة، ومنكم لي بتصحيحها شهادة، ولي في نشر هذه الشكوى سلوة، ومن الله الكريم فضلاً ومثوبة).
لقد كانت هذه الرسالة وما تزال النبع الصافي الذي يستقي منه كل دارس لعلم السلوك، وكل مستشرف ومتشوف لحياة النور؛ خصوصاً في هذه الأيام الحالكة بالأمور الدنيا حتى { إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ }، وحريٌّ بنا أن نبعث بكتب التزكية بيضاء نقية؛ فهي مدعاة لبناء القيم والأخلاق وإحياء النفوس، وبعثها من رقادها.
إن إظهار مثل هذا الكتاب المبارك رسم للعبودية الصحيحة، وتوضيح لما ينبغي أن تكون عليه الصلة بين الإنسان وربه، وبين الإنسان ومجتمعه.
ومما لا شك فيه أن كل ما يقرؤه الإنسان يؤثِّر فيه، ونحن إذاً سعداء بالأثر الجميل الذي سيكون – بإذن الله – ثمرة لنشر هذا الكتاب.
والحمد لله امتازت طبعتنا هذه باعتمادها على نسخ خطية أصيلة مسندة قريبة العهد بالمؤلف، وعليها سماعات الإمام القشيري بواسطتين، وأيضاً بالفهارس العلمية والفنية الميسرة لمزيد من الاستفادة من هذا السِّفْر المبارك.
وأخيراً.. نختم هذا التعريف بقول أحد رجال السلوك الذي يقول: إذا رأيتم الرجل يسير على الماء أو يطير في الهواء.. فلا تغتروا بفعله إلا بعد أن تعرضوه على كتاب الله وسنة رسوله