يعتبر علم التفسير من العلوم الإسلامية الأساسية الرائدة، أقبل عليه العلماء منذ العهد الأول لهذا الدين الحنيف، فقد كانوا يرجعون من أجل فَهْم أحكام دينهم ومعرفة حلاله وحرامه أول ما يرجعون إلى كتاب الله عزّ وجلّ.
ومن هنا، نشأ علم التفسير، وعُرِفَ به علماء المسلمين جماعة يُقال لهم: المفسرون، وقد انصرف إهتمام المفسرين منذ البداية إلى فهم معاني آيات الكتاب الكريم، وتفننوا في ذلك؛ بل أبدعوا فيما كتبوه في هذا العلم، وقدموا لأمتهم، وما يزالون، كتباً قيمة في هذا المجال، أطلقعليها اسم “التفاسير”.
وكان من هذه الكتب التي أفاد منها أهل العلم إفادة كبيرة اثنى عشر تفسيراً شكلت على مدى قرون المرجع الأساسي والأول للمسلمين في تفسير آيات القرآن الكريم، وهذه هي أسماء مؤلفي التفاسير وأسمائها: 1-تفسير الطبري (الذي سماه مؤلفه جامع البيان في تفسير آي القرآن)، 2-تفسير الغوي (معالم التنزيل)، 3-تفسير ابن عطية (المحرّر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز)، 4-تفسير الرازي (مفاتيح الغيب)، 5-تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن)، 6-تفسير ابن كثير (تفسير القرآن العظيم)، 7-تفسير الخازن (لباب التأويل في معاني التفسير)، 8-تفسير جلال الدين السيوفي (الدُّرّ المنثور في التفسير بالمأثور)، 9-تفسير الخطيب الشربيني (السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض كلام ربنا الحكيم الخبير)، 10-تفسير الآلوسي (روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني)، 11-تفسير أحمد مصطفى المراغي (تفسير المراغي)، 12-تفسير سيد قطب (من خلال القرآن).
هذا وقد تأصّل علم التفسير على مدى قرون عديدة، وألف العلماء فيه عشرات من كتب التفسير إضافة إلى التفاسير المذكورة آنفاً، وكان دأب المفسرين طيلة هذه القرون والإشتغال في التعمق في فهم آيات الكتاب المبين، واصطياد معانٍ جديدة لهذه الآيات، التي لم يسيق للمفسرين السابقين أن أَتَوا عليها.
بيد أنه ظهر في العصر الحديث إتجاه جديد أطلق عليه اسم “التفسير الموضوعي”، حيث لم ينصرف المفسرون فيه إلى ذكر معانٍ جديدة للآن لم يُسبقوا إليها؛ بل كان إهتمامهم منصرفاً إلى تفسير الآيات التي تتمحور حول بعض الموضوعات الإجتماعية التي تعانى منها المجتمعات الإسلامية، مثال ذلك ما جاء عن المرأة، اليتامى، الزواج، الطلاق، الإشتغال بالتجارة والصناعة…
وبعبارة أخرى عناية التفسير الموضوعي بالقضايا الإجتماعية… إن لم يُعْنَ بإستنباط المزيد من المعاني في الآيات التي سُبِق إلى تفسيرها، هذا وقد كانت لفضيلة شيخ الأزهر الأسبق محمود شلتوت مشاركة رائدة وقيّمة في مجال التفسير الموضوعي، وقد تحدث عن هذا اللون من التفسير فقال: “هو أن يعمد المفسر إلى جمع الآيات التي وردت في موضوع واحد، ثم يضعها أمامه كمواد يحللها، ويفقه معانيها، فيتجلى له الحكم، ويتبين له المرمى الذي ترمى إليه الآيات الواردة في الموضوع”.
وقد بين الشيخ شتلوت أهمية هذا النوع من التفسير، وأنه الطريقة المثلى للتفسير، خاصة للدعاة إلى الله تعالى، إذ تبرز هداية القرآن الكريم في مختلف مناحي الحياة؛ وإلى هذا، فقد كان للشيخ شلتوت مساهمة في التفسير الموضوعي من خلال كتابيه وهما: “القرآن والمرأة” و”القرآن والقتال”، مشجعاً من خلال كتابيه هذين، أهل العلم على معالجة كثير من الموضوعات وإدراجها في منهج التفسير الموضوعي.
وقد ساهم وبعد الشيخ شتلوت في هذا المجال الشيخ عبد الحميد محمود طهاز الذي قام بتألف مصنفه (من موضوعات سور القرآن)، الذي لقي قبولاً جيداً من قبل طلاب العلم.
ونظراً لأهميته تم العمل في هذه الطبعة التي جاءت تحت عنوان “التفسير الموضوعي لسور القرآن العظيم” على إصداره في عدد محدّد من المجلدات بدلاً من الأجزاء الصغيرة التي كان قد أخرج بها في طبعته الأولى والتي اقتربت من الثلاثين، وقد انصب إهتمام المؤلف الشيخ عبد الحميد طهماز في مؤلفه هذا على تقديم معاني الآيات القرآنية، وعرضها بعبارات أوضح وأسلوب سهل ميسر، دون أن يشغله بقضايا لغوية أو فقهية أو كلامية؛ إذ كان محور إهتمامه إيصال القارئ إلى فهم معنى آيات القرآن الكريم وإستيعاب ما تحتويه بكلام موجز مفيد.
بالإضافة إلى ذلك اعتنى المؤلف بإيراده وعند تفسير آية ما يشبهها من الآيات الأخرى التي تعنى بالفكرة نفسها، كما أنه عمد إلى التعرض إلى عدد من القضايا العلمية المبثوثة في هذا الكون العجيب الذي أبدعته قدرة الله عزّ وجلّ والتي كشف عنها العلم الحديث، وذلك حينما كان يتناول تفسير بعض الآيات التي أشارت إلى هذه القضايا