فوائد من شرح الرسالة: فقه
الفائدة الأولى
قال الشيخ -حفظه الله- في أول درس في شرح رسالة: (أصولُ أهلِ السّنةِ هدايةٌ وأمانٌ): “إذا تأملنا واقع أمّتنا لا شك أنّا نجد في بعض ديار المسلمين واقعًا يُدمِع العين ويؤلم القلب، ولا شك أنّا نهتم لأمر المسلمين في كل مكان، فنجد استهانة بالدماء في بعض ديار المسلمين، ونجد فُرقة وشَتاتًا واختلالًا للأمن والمصالح العامة في بعض بلاد المسلمين، ونجد حركات متهورةً في بعض بلاد المسلمين نشأتْ على النعمة فلم تَعرف ألم الفُرقة، نشأتْ على الخير في بلدانها فلم تُدرِك ضرر الشر. ولا شك أنّ الدارس لهذا الواقع يجد أنّ هذا الخلل لابد أن يعود إلى خلل في العمل بأصل من أصول أهل السنة والجماعة. ولو أنّ الأمة تمسكت بأصول أهل السنة والجماعة اندفعت عنها الشرور وسَلِمت من شرور الفتن، الفتن واقعة لكنّ الشأن أن يَسلَم الإنسان من شرها، ولو أنّ الناس تمسكوا بأصول أهل السنة والجماعة لسَلِموا من شر الفتن”
الفائدة الثانية
صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هم رأس أهل السنة والجماعة، وعلامتهم، وهم سلف الأمّة، وهم مبتدأ الخير بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومَن بعدهم من المسلمين يُوزَنون بهم، ويُعرَف حقّهم من باطلهم بميزان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمَن كان على عقيدتهم وسار على طريقتهم ومِنهاجهم فهو من أهل السنة والجماعة ومن السلف. يقول الشيخ ابن باز رحمه الله عز وجل: “السلف الصالح هم الصحابة رضي الله عنهم ومَن سلك سبيلهم من التابعين وأتباع التابعين؛ من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وغيرهم ممَّن سار على الحق وتمسك بالكتاب العزيز والسنة المطهرة في باب التوحيد وفي باب الأسماء والصفات وفي جميع أمور الدين”
الفائدة الثالثة
سُمَِّي أهل السنة بأهل السنة؛ لتعظيمهم لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولأخذهم بكل ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ من غير تفريق بين المتواتر والآحاد، فأهل السنة والجماعة حقًّا وصدقًا يأخذون بكل ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ سواءً كان من قَبيل المتواتر أو كان من قبيل الآحاد. كذلك يُسمَّون أهل السنة لاتِّباعهم لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولأخذهم بالعقيدة التي كان عليها الصحابة، فإنّ العقيدة كانت تسمَّى عند السلف بالسنة، فأهل السنة والجماعة يأخذون بعقيدة السلف، العقيدة التي اتفق عليها السلف الصالح رضوان الله عليهم
الفائدة الرابعة
ويسمَّى أهل السنة والجماعة بالسلفيين؛ لأنهم يقتدون بالسلف الصالح رضوان الله عليهم، وهذا شعار أهل السنة والجماعة، لا تجد أحدًا من أهل السنة والجماعة إلا وهو يَعرِف للسلف فضلهم، ويَقتدي بهم. ولذلك يقول أبو المظفَّر السمعاني الشافعي رحمه الله:”شعارُ أهل السنة اتِّباعهم السلف الصالح، وتَرْكهم ما هو مُبتدَع حادِث”. وهذا الأمر وهذه السمة يَعتز بها أهل السنة ويُعلنونها ويُبرِزونها، ولا عيب فيها. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “لا عيب على مَن أظهر مذهب السلف وانتسَب إليه واعتَزى إليه؛ بل يجب قَبول ذلك منه بالاتفاق، فإنّ مذهب السلف لا يكون إلا حقًّا”. وقالت اللجنة الدائمة برئاسة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله: “السلفية لقب صالح”. فهذا أمر يَعتز به أهل الإسلام ويُظهِرونه ويَفخرون به. ومَن زعم من الناس أنه من أهل السنة والجماعة أو أنه سلفي فإنه يُنظَر؛ فإن صدَّق عملُه قولَه فهو من أهل السنة وهو من اتْباع السلف في أيّ مكان كان؛ في مكة، في المدينة، في الكويت، في البحرين، في الشام، في أفريقيا؛ فالعِبرة بسلوك منهج أهل السنة والجماعة، ومَن خالَف قولَه عملُه فكلامه مردود عليه
الفائدة الخامسة
أهل السنة يُسمَّون أيضا بأهل الجماعة؛ فيقال:”أهل السنة والجماعة”؛ لأنهم يَجتمعون على الحق الذي اجتمع عليه صدر الأمّة، وما عُرِف اجتماعٌ على الحق إلا ما كان عليه صدر الأمّة وما سار على طريقتهم، وأيضًا يُسمَّون بأهل السنة والجماعة؛ لأنّ منهجهم يدور على حفظ الجماعة، فمنهج السلف الصالح لو تأمّلناه نجد أنّ الشعار العام له “حفظ الجماعة الشرعية”، ولا تُحفَظ الجماعة الشرعية إلا بالعمل بأصول أهل السنة والجماعة، وإذا خولِف أصل من أصول أهل السنة والجماعة فلابد من الفُرقة، ولابد من فوات مصلحة الجماعة. الجماعة الشرعية لا يُحفظ حِماها إلا بأصول أهل السنة والجماعة
الفائدة السادسة
.سلوك طريق السلف الصالح رضوان الله عليهم فريضةٌ شرعيةٌ، وضرورةٌ واقعيةٌ. وقد أجمع المتقدِّمون على وجوب اتِّباع ما عليه السلف الصالح رضوان الله عليهم. يقول ابن قدامى رحمه الله: “ثَبَتَ وجوب اتِّباع السلف بالكتاب، والسنة، والإجماع”. وقد احتجّ أهل العلم على وجوب اتِّباع أهل السنة والجماعة وسلوك طريقهم بأدلة؛ منها: 1. قول الله عز وجل : {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا}. قوله: {ومن يشاقق} أي مَن يُخالف؛ كأن النبي صلى الله عليه وسلم في شق ويذهب هو في شق آخر. {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى} بعدما اتضح الطريق وبانت معالمه. {ويتبع غير سبيل المؤمنين} جعل الله عز وجل اتِّباع غير سبيل المؤمنين موازِنًا لمشاقة الرسول صلى الله عليه وسلم، فكما أنّ مشاقة الرسول محرَّمة فإنّ اتِّباع غير سبيل المؤمنين محرَّم. ولا شك أنّ رأس المؤمنين هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالذي يتَّبع غير سبيل الصحابة فقد تَنكَّب الصراط المستقيم، وسار في السُّبل المفرِّقة؛ {نوله ما تولى} أي أنه يسلك السبل المفرِّقة {ونصله جهنم وساءت مصيرا}. فدلّ ذلك على وجوب اتِّباع الصحابة رضوان الله عليهم
الفائدة السابعة
ومن الأدلة على وجوب اتِّباع طريق السلف وسلوك طريقهم: 2- قول الله عز وجل: {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون}. {وأن هذا} “هذا” اسم إشارة، والإشارة تكون إلى الموجود، الموجود في زمن النبي صلى الله عليه وسلم الذي جاء في القرآن والسنة، صراط الله المستقيم الذي يجب علينا أن نتّبعه ويَحرُم علينا أن نتّبع كل ما يخالفه، ولا شك أنّ الصحابة عملوا بهذا الصراط، فواجب علينا أن نقتدي بهم
وما خالف منهج الصحابة لا شك أنه من السبل، فمَن جاءنا بطريق جديد يخالف ما عليه الصحابة نقول له: هل هذا صراط الله المستقيم الذي أنت عليه أو لا؟ فإن قال: إنه صراط الله المستقيم، قلنا: اتهمت الصحابة بأنهم لم يكونوا على صراط الله المستقيم، وهذا لا يجيزه من يعرف الإيمان. وإن قال: بل الصحابة كانوا على صراط مستقيم وهذا صراط مستقيم، قلنا: إنّ الله جعل الصراط واحدًا، وجعل ما يخالفه سبلًا تُفرِّق عن السبيل وتفرِّق عن الطريق المستقيم