مجموع نفيس في فروع الشافعية، ومختصر متين ضم الكثير من التنبيهات والضوابط والفوائد الفقهية، لمؤلفه الإمام العلامة، والحبر الفهَّامة، مفتي الديار الحضرمية: السيد عبد الرحمن بن محمد المشهور باعلوي الحضرمي رحمه الله تعالى.
وقد انتخبه ولخَّصه من فتاوى السادة العلماء الأجلَّاء الفحول، المعوَّل على كلامهم والمرجوع لقولهم في المعقول والمنقول، بأوجز عبارة، مع خلوِّه عن التكرير، وردِّ كل مسألة في غير محلها إلى مظنتها من تقديم أو تأخير، والسادة الأئمة الأجلاء هم:
– الإمام النحرير السيد: عبد الله بن حسين بلفقيه باعلوي الحضرمي.
– والإمام المحقق السيد: عبد الله بن عمر ابن يحيى باعلوي الحضرمي.
– والإمام الفقيه السيد: علوي بن سقاف الجفري باعلوي الحضرمي.
– والإمام المحقق تلميذ ابن حجر: جمال الدين محمد بن أبي بكر الأشخر.
– والإمام المحقق مفتي المدينة المنورة: محمد بن سليمان الكردي المدني.
وجعل لكل واحد من هؤلاء الأئمة المذكورين علامة صدَّر بها المسألة؛ فرمز لبلفقيه: بـ (ب)، ولابن يحيى: بـ (ي)، وللجفري: بـ (ج)، وللأشخر: بـ (ش)، وللكردي: بـ (ك)، وإذا كان في المسألة قيد أو خلاف أو نحوهما ولم ينبِّه عليه أصحاب الفتاوي.. فإنه يكتب آخرَ المسألة (انتهى)، ثم يذكر تعقيبَه مصدَّراً بـ (قلت) ليتميَّز الأصل من زيادة الإمام المشهور رحمه الله تعالى.
وقد أضاف رحمه الله تعالى لهذه الفتاوي فوائدَ وتنبيهاتٍ نفيسةً عزيزةَ الوجود مهمة، لخَّصها من أفواه شيوخه الأجلَّاء، وكتب الأئمة الفقهاء، مع عزوها لقائليها، وتمييزها عن تلك الفتاوي بتصديرها بـ (فائدة)، كما ضمَّ أيضاً سؤالات سئل عنها ولم تكن مذكورة في تلك الفتاويات.
فجاء بحمد الله وحسن توفيقه على الغاية القصوى من الاختصار والإتقان، وتناسب المسائل، وتداخل القيود والضوابط، وحذف التكرير والتطويل، والإتيان ببعض مسائله مشفوعةً بذكر الدليل والتعليل، مع الإحاطة غالباً بجميع ما تضمنته تلك الكتب المهمات، والنظر والتحقيق فيما تقتضيه العبارات.
وقد طبَّقت شهرة «البغية» الآفاق، واعتنى بتدريسها المفتون والفقهاء، واسترشد بها طلبة العلم في أصقاع المعمورة؛ من حضرموت والحرمين ومصر والشام والهند وداغستان وأندونيسيا وغيرها.
وكان من جملة ما قاله فيه مقرِّظاً الألمعي الأديب أحمد محمد الحملاوي رحمه الله تعالى: (ولا يخفى على كل فقيه فاضل، ونبيل كامل، متوشح بنطاق العلوم السُّنِّيَّة، ومتوسع في بيدائها السَّنية: أن كتاب «الفتاوي» المسفرَ عن مهمات المسائل الفقهية، والوسائل السنية، تأليف العلامة الفهامة، الأريحي اللبيب، والألمعي النجيب، العالم الكامل المشهور، السيد عبد الرحمن الحضرمي الشهير بالمشهور.. كتاب أودعه مؤلفه بديع المسائل الغراء، وأبدع كل الإبداع في أساليبه الزهراء، ولعمري؛ إنه الدرة الفريدة في هذا الباب، والجوهرة اليتيمة عند أولي الألباب، فهو حريٌّ بأن تنشرح له صدور النجباء، وتمرح له عقول الألباء).
لقد تميَّز هذا المجموع بالدقة العجيبة في الاختصار؛ فقد تتجاوز المسألة أو الفائدة في أصلها عشرات الورقات، بينما يأتي بها الإمام المشهور بورقة أو أسطر قليلة، على الأسلوب والمنهج اللذَينِ بيَّنَّاهما لك آنفاً.
كما تميَّز أيضاً بكثرة النقولات من أمَّات الكتب في مختلف العلوم؛ مما يدل على تبحُّر الإمام المشهور، واطِّلاعه على جملة وافرة من المصادر والمراجع القيمة، وخصوصاً الكتب العزيزة النادرة للأئمة الحضارم وغيرهم رضي الله عنهم، ولعل من جملة ما يسَّر له ذلك تصدُّرُه لمنصب الإفتاء في الديار الحضرمية.
وشفعنا هذا المختصر بـ «حاشية العلامة المفتي المحقق السيد أحمد بن عمر الشاطري باعلوي الحضرمي» صاحب كتاب «الياقوت النفيس» رحمه الله تعالى، أحدِ أساطين العلم في تريم الغناء، وممن انتفع به الكثير من طلبة العلم، وهي حاشية نفيسة قيمة، شرح بها بعض العبارات، وبيَّن فيها الكثير من المسائل المهمات، وضمَّنها فوائدَ ومسائلَ وتقييداتٍ وفروعاً مهمة، لا يستغني عنها العالم وطالب العلم على حدٍّ سواء.
ولا ندري بما ينقضي عجبنا في صنيع الإمام المشهور، أم في صنيع السيد العلامة الشاطري، فهما مجمع البحرين وملتقى النيرين؛ فقد أبدعا وسبقا حتى أتيا بالعجب العجاب، مصداقاً لقوله عليه الصلاة والسلام: «الإيمان يمانٍ، والفقه يمانٍ، والحكمة يمانية».
وقد وفَّقنا الله سبحانه وتعالى، فخدمنا هذا المجموع النفيس والسفر المتين بعناية فائقة في ضبط نصوصه وتوثيقها؛ لما يتمتع به هذا الكتاب من أهمية وخصوصية لدى الفقهاء الشافعية، فسعينا سعياً حثيثاً وراء أصوله الخطية، وبذلنا جهداً كبيراً في الحصول عليها من رفوف المكتبات العالمية، وخصوصاً تلك التي بحضرموت التي ينتمي إليها المؤلف والمحشي، فنافت – ولله الحمد – أصوله الخطية على مئتي مصدر مخطوط كان لها فضل كبير في ضبط النص وتحقيقه، وفي الوقوف على الجهد العظيم الذي بذله مختصره المشهور رحمه الله تعالى أثناء تأليفه للكتاب