لقد كان دأب علماء الإسلام، وهُداة الأنام، وورَّاث النبي عليه الصلاة والسلام، الذين هم حجة الله على خلقه في كل عصر ومصر.. جمعَ الكلمة ورصَّ الصفوف، والاعتصام بحبل الله المتين، وقَبول إيمان الناس ظاهراً وإيكال بواطنهم لمن يطلع عليها، إلا أن اشتداد أُوار الفتن يُطْلِق ألسنة الجهال وأنصاف المتعلمين بطامة كبرى.. هي مسألة التكفير؛ التي كلما أُطفئت نارها.. جاء من ينفخ في رمادها، فانبرى الإمام الغزالي لهذا الخطر المحدق، فامتشق يراعته، وقعَّد القواعد، ووضع الأسس.
لقد وضع المعايير والموازين للحقائق بتصنيفه كتاب «معيار العلم»، ولما اشتبه العمل على العاملين.. صنَّف لهم «ميزان العمل»، ولما اشرأبت الأعناق بالتكفير.. صنَّف هذا الكتاب.
وهذه المسألة – أي: مسألة التكفير – وعرة المسلك، صعبة القياد، يهابها من يعرفها، ويخافها من يعلم خطرها، أما من جهلها.. فتراه يخوض غمارها ويكون فيها حتفه، فمن المتكلمين من جاوز طوره، وتعدَّى حده، وظن أن التكفير مناطه الجهل بالله تعالى أو صفاته، وظنوا – لبعدهم عن الفقه – أن التكفير مسألة كلامية، وكفَّروا فِرَقاً وطوائف إسلامية.
فأفرد الإمام الغزالي هذا الكتاب وصدَّره بقوله: (اعلم قبل كل شيءٍ أن التكفير مسألة فقهية…).
ثم فصَّل مراتب التكفير، ووضع الفيصل في ذلك فقال: (الكفر: هو تكذيب الرسول صلوات الله عليه في شيء مما جاء به، والإيمان: هو تصديقه في جميع ما جاء به) فهو الفيصل في هذه المسألة.
ثم عالج مسائل مهمة كأهل الفترة، وهجر خصام العوام، ومن هو الفقيه الذي يجوز له الخوض في مسألة التكفير، وأن الحق شرعة للجميع، وضبط مراتب التأويل، إلى غير ذلك من الأبحاث المفيدة.
سائلين المولى القبول وحسن الختام