التَّعريفُ بموضوعِ الكتابِ:
عِلمُ الحديثِ النَّبَويِّ مِن أَشرفِ العُلومِ وأجَلِّها، وتَتَفرَّعُ عنه مَسائلُ شَتَّى؛ مِن أَهَمِّها مَعرِفةُ مَناهِجِ المُحدِّثين؛ حيثُ إنَّ مَعرفةَ مَناهجِهم في مُصَنَّفاتِهم لها أثرٌ كبيرٌ في فِقهِ عُلومِ الحديثِ، وتَزدادُ أَهمِّيَّةُ هذا الأَمرِ بعِظَمِ المُصَنِّفينَ الذين يُراد الكَشفُ عن مَناهجِهم، وبِدِقَّةِ المسألةِ التي يُرادُ الكَشفُ عنها.
وكتابُ هذا الأُسبوعِ: إشاراتُ الإمامِ البُخاريِّ -رَحِمَه الله- إلى اختِلافِ الأسانيدِ في الجامِعِ الصَّحيحِ بَحثٌ أراد به المُؤلِّفُ الكَشفَ عن مَنهجِ الإمامِ البُخاريِّ، وإظهارَ عَبقرِيَّتِهِ، وهو دِراسةٌ تَأصيليةٌ لِجانِبٍ مِن جَوانبِ عِلمِ العِلَلِ عند الإمامِ البُخاريِّ.
وقد قَسَّم المُؤلِّفُ الكتابَ إلى: مُقدِّمةٍ، وتَمهيدٍ، وأربعةِ فُصولٍ، وخاتِمةٍ.
فذَكَر في المُقدِّمةِ أَهمَّيةَ الدَّراسةِ، ومَنهَجيَّةَ البَحثِ، وأشار إلى أنَّه اتَّبَعَ مَنهجَ الاستِقراءِ والتَّحليلِ، وأنَّه جَمَع بين النَّظريَّةِ والتَّطبيقِ، وأنَّه حاول الجَمعَ بين تَفسيرِ صَنيعِ البُخاريِّ لِبَيانِ مَنهَجهِ، وبين مُناقشَةِ اختياراتِه.
أمَّا التَّمهيدُ فكان عن بَيانِ مَفهومِ الاختِلافِ، وذَكَر أنَّ التَّعريفَ المُختارَ للاختِلافِ في السَنَدِ: هو أن يَرويَ بعضُ الرُّواةِ الإسنادَ على وَجهٍ، وبعضُهم على وجهٍ آخَرَ مُخالِفٍ له، مع اتِّحادِ المَخرَجِ.
ثمَّ ذَكَر أهمِّيَّةَ البَحثِ في اختِلافِ الرُّواةِ، وأسبابَ هذا الاختِلافِ، ووَسائلَ الكَشفِ عن الاختِلافِ، وأَشار إلى أنَّه لا يُمكِنُ للباحثِ الوُقوفُ على الاختِلافِ في الحديثِ إلَّا بِجَمعِ طُرُقِه ورِواياتِه.
ثمَّ كان الفصلُ الأوَّلُ الذي عَنوَنَ له المُؤلِّفُ بـ “مَنهجُ الإمامِ البُخاريِّ في الإشارةِ إلى الاختِلافِ والتَّرجيحِ”
فبَدَأ بضَوابِطِ ذِكْرِ الإمامِ البُخاريِّ للاختِلافِ، والإعراض عنه، وأشار إلى أنَّ مِن أسبابِ إعراضِ البُخاريِّ عن ذِكْرِ الاختِلافِ:
أن يكون المُخالِفُ ضَعيفًا.
أو قَبولَ البُخاريِّ للزِّيادةِ التي لم يَذكرْها المُخالِفون. كما في حديث (1938) ابنِ عبَّاسٍ: أنَّ النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم احتَجَمَ وهو مُحرِمٌ…
أو طَلَبًا للاختِصارِ.
ثمَّ تَكلَّم عن مَنهجِ الإمامِ البُخاريِّ في الإشارةِ إلى الاختِلافِ، وأشار إلى أنَّ البُخاريَّ يُصَرِّحُ بالاختِلافِ أحيانًا، أو يُبَيِّنُ ضِمنِيًّا أحيانًا أُخرى، ويُصَرِّحُ بالمُخالِفِ وهو الغالِبُ، وأحيانًا يُبهِمُه، كما في حديثِ أنسٍ: صلَّى رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ونحن معه بالمدينةِ الظُّهرَ أَربعًا… قال البُخاريُّ بعدَ الحديثِ: قال بعضُهم: هذا عن أيُّوبَ، عن رَجُلٍ، عن أنسٍ. فأَبهَم البُخاريُّ المُخالفَ ولم يُصَرِّح بِاسمِه.
ثم ذَكَر الألفاظَ التي يَستعمِلُها البُخاريُّ في ذِكْرِ الاختِلافِ، وذَكَر منها: (قال فُلانٌ)، (رَواه)، (رَفَعَه، ولم يَرفَعْه)… وغيرَ ذلك.
ثمَّ عَرَّجَ المُؤلِّفُ على طُرُقِ إشارةِ الإمامِ البُخاريِّ إلى الاختِلافِ، وذَكَر منها:
الطَّريقةُ الأُولى: أَقوالُ الرُّواةِ أَنفسِهم، كما في حديثِ (156) مِن صَحيحِ البُخاريِّ: حدَّثنا أبو نُعيمٍ قال: حدَّثنا زُهيرٌ، عن أبي إسحاقَ قال: ليس أبو عُبيدةَ ذَكَرَه، ولكن عبد الرَّحمنِ بن الأَسودِ…، فذَكَر المُؤلِّفُ أنَّ مَدارَ الحَديثِ على أبي إسحاقَ السَّبيعيِّ، وأنَّه اختُلِفَ عليه على أَوجُهٍ، ثمَّ عَرَضَها وناقَشَها.
الطَّريقةُ الثَّانيةُ: تَعليقُ الرِّواياتِ المُخالِفةِ عَقِبَ الحَديثِ.
الطَّريقةُ الثَّالِثةُ: رِوايَةُ الأسانيدِ المُختلِفةِ (التَّكرار).
الطَّريقةُ الرَّابِعةُ: تَعليقُ ما يَرفَعُ الخِلافَ دون ذِكْرِ الخِلافِ … وغَيرُها مِن الطُّرُقِ.
ثمَّ بَيَّن المُؤلِّفُ طُرُقَ إشارةِ البُخاريِّ إلى التَّرجيحِ فذَكَر:
الطَّريقةُ الأُولى: النَّصُّ على الأصَحِّ مِن الرِّواياتِ.
الطَّريقةُ الثَّانِيةُ: رِوايةُ الرَّاجِحِ وتَعليقُ المَرجوحِ.
الطَّريقةُ الثَّالِثةُ: الاقتِصارُ على رِوايةِ الوَجهِ الذي فيه الزِّيادةُ. كما في حديث (2886) … عن أبي بكرِ بنِ عَيَّاشٍ، عن أبي حَصِينٍ، عن أبي صالِحٍ، عن أبي هُريرةَ: تَعِسَ عَبدُ الدِّينارِ… قال البُخاريُّ لم يَرفعْهُ إسرائيلُ ومحمَّدُ بن جحادةَ، عن أبي حَصِينٍ. قال المُؤلِّفُ: رِوايةُ البُخاريِّ للرَّفعِ، وهو زِيادةُ قَبولٍ لها.
ثمَّ اختَتَم المُؤلِّفُ الفصلَ بِذِكرِ قَرائِنِ التَّرجيحِ عند البُخاريِّ، وقَسَّمَها المُؤلِّفُ إلى:
قَرائِنَ خاصَّةٍ بالرَّاوي، وذَكَر منها ما يلي:
ضَبطُ الرَّاوي، ومُراعاةُ طَبَقاتِ الرُّواةِ عن الشَّيخِ الواحِدِ.
تَقَدُّمُ سَماعِ الرَّاوي إذا كان الشَّيخُ ممَّن وُصِفَ بالتَّغَيُّرِ.
قَرائِنَ خاصَّةٍ بالرِّوايةِ:
المُتابَعاتُ التَّامَّةُ.
المُتابَعاتُ القاصِرةُ.
أمَّا الفصلُ الثَّاني فكان عن مَنهجِ الإمامِ البُخاريِّ في تَصحيحِ الوَجهَينِ:
فبَدَأ بذِكرِ أجناسِ اختِلافِ الأسانيدِ التي صَحَّحَ البُخاريُّ فيها الوَجهَينِ فذَكَر:
الاختِلافَ في زِيادةِ رَاوٍ وحَذفِه.
الاختِلافَ في الصَّحابيِّ.
الاختِلافَ في جُزءٍ مِن السَّنَدِ … وغيرَ ذلك
ثمَّ أشار إلى طَريقةِ الإمامِ البُخاريِّ في تَصحيحِ الوَجهَينِ، وذَكَر مِن طَريقتِه:
تَخريجَ الوَجهَينِ مَعًا بالقَرْنِ بين الرُّواةِ.
تَخريجَ الوَجهَينِ في المَوطِنِ نَفسِه كما في حديثِ (5925): عن عبدِ الله بنِ يُوسُفَ، أخبرنا مالكٌ، عن ابنِ شِهابٍ، عن عُروةَ بنِ الزُّبيرِ، عن عائِشَةَ قالت: كنتُ أُرَجِّلُ رَأسَ رَسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم…. حدَّثنا عبدُ الله بنُ يُوسُفَ، أخبرنا مالكٌ، عن هِشامٍ، عن أَبيهِ، عن عائِشَةَ مِثلَه.
تَخريجَ الوَجهَينِ في مَواطِنَ مُختلِفةٍ مِن الصَّحيحِ… وغيرَها مِن الطُّرُقِ.
ثمَّ خَصَّصَ المُؤلِّفُ الفصلَ الثَّالِثَ لِبَحثِ أجناسِ اختِلافِ الأسانيدِ التي أشار الإمامُ البُخاريُّ إليها، فذَكَر:
الاختِلافَ في تَسمِيةِ الرُّواةِ.
الاختِلافَ في صِيَغِ الأداءِ: وتَكلَّم فيه عن اختِلافِ صِيَغِ أداءِ الرُّواةِ المُدَلِّسينَ، وذَكَر فيه رِوايةَ الشَّعبِيِّ، عن عبدِ الله بنِ عَمرٍو: (المُسلِمُ مَن سَلِمَ ….) وأشار البُخاريُّ في التَّعليقِ عَقِبَ الحَديثِ للاختِلافِ في صِيغةِ سَماعِ الشَّعبيِّ مِن عبدِ الله. ورَجَّحَ المُؤلِّفُ أنَّ الشَّعبيَّ سَمِعَهُ مِن عبدِ الله بنِ عَمرٍو بدون واسِطةٍ.
الاختِلافَ في جُزءٍ مِن السَّنَدِ: وتَكَلَّم فيه عن الاختِلافِ في صَحابيِّ الحديثِ، وذَكَر فيه حَديثَ فُلَيحٍ، عن الحارِثِ، عن جابرٍ: (إذا كان يومُ عِيدٍ خالَفَ الطَّريقَ…) وقال البُخاريُّ … عن فُلَيحٍ، عن سَعيدٍ، عن أبي هُريرةَ، وحَديثُ جابرٍ أَصَحُّ.
الاختِلافَ في زِيادةِ رَاوٍ في الإسنادِ المُتَّصِلِ: وذَكَر فيه حَديثَ حَمَّادٍ، عن حُميدٍ، عن أنسٍ: (أنَّ أَقوامًا بالمَدينةِ …) قال البُخاريُّ: وقال مُوسى: ثنا حَمَّادٌ، عن حُميدٍ، عن مُوسى بنِ أنسٍ، عن أبيه… قال البُخاريُّ: والأوَّلُ أَصَحُّ.
وغيرَ ذلك مِن المسائلِ.
أمَّا الفصلُ الرَّابِعُ والأَخيرُ فقد عَنَى فيه المُؤلِّفُ بِدِراسةِ الأحاديثِ التي انتُقِدَت على الصَّحيحِ، وأشار البُخاريُّ نَفسُه إلى الاختِلافِ في أسانيدِها.
فبَدَأ بِذِكرِ ما انتُقِدَ بِعِلَّةِ الإرسالِ، كما في حَديثِ يَحيى بنِ حَيَّانَ، عن أبي زُرعَةَ، عن أبي هُريرةَ: ( دُلَّنِي على عَمَلٍ …) قال البُخاريُّ بعدَه: حدَّثنا مُسَدَّدٌ، عن يحيى، عن أبي حَيَّانَ قال: أخبَرني أبو زُرعَةَ، عن النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بهذا.
قال المُؤلِّفُ: فالبُخاريُّ رَجَّحَ الوَصلَ، وأشار إلى الاختِلافِ، والمُرسَلُ لا يَقدَحُ في صِحَّةِ المَوصولِ إن كان الواصِلُ ثِقَةً، وهو هنا كذلك.
ثمَّ تَكلَّم عن الأحاديثِ التي انتُقِدَت على البُخاريِّ بِعِلَّةِ الوَقفِ.
ثمَّ ما انتُقِدَ على الصَّحيحِ بِعِلَّةِ زِيادةِ رَاوٍ أو نَقصِه: وذَكَر فيه حَديثَ عَليِّ بنِ المُبارَكِ، عن يحيى بنِ أبي كَثيرٍ، عن أبي سَلَمةَ، عن أبي هُريرةَ، عن النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: (إذا قال الرَّجُلُ لِأخيه يا كافِرُ…) قال البُخاريُّ بعدَ ذِكرِ الحَديثِ: وقال عِكرِمةُ بنُ عَمَّارٍ، عن يحيى بنِ عبدِ الله بنِ يَزيدَ، سَمِعَ أبا سَلَمَةَ، سَمِعَ أبا هُريرةَ، عن النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم.
قال الدَّارقُطنيُّ: يحيى بنُ أبي كَثيرٍ يُدَلِّسُ كثيرًا، ويُشبِه أن يكونَ قَولُ عِكرِمةَ أولى بالصَّوابِ؛ لأنَّه زاد رَجُلًا، وهو ثِقَةٌ.
قال المُؤلِّفُ بعدَ دِراسةِ الحَديثِ: والحاصِلُ أنَّ تَخريجَ البُخاريِّ لِرِوايةِ عَليِّ بنِ المُبارَكِ، عن يحيى؛ سالِمٌ مِن انتِقادِ الدَّارقُطنيِّ رَحِمَهُما الله.
ثمَّ خَتَم الفصلَ بِذِكْرِ الأحاديثِ التي انتُقِدَت على الصَّحيحِ بِعِلَّةِ الاختِلافِ في جُزءٍ مِن السَّنَدِ.
ثمَّ كانت خاتِمَةُ الكتابِ، وذَكَر عددًا مِن النَّتائجِ والتَّوصياتِ، منها:
للاختِلافِ أسبابٌ كثيرةٌ، مَرَدُّها إلى وَهْمِ الرَّاوي.
لم يَستَوعِب البُخاريُّ الأحاديثَ المُختَلَفَ في أسانيدِها بالإشارةِ إلى ما فيها مِن الاختِلافِ.
اعتَنَى الشُّرَّاحُ بِبَيانِ هذه الاختِلافاتِ مُوافِقِينَ للبُخاريِّ في اختِياراتِه أحيانًا، ومُخالِفينَ له أحيانًا أُخرى.
وكان مِن تَوصِياتِ المُؤلِّفِ:
استِقاءُ عُلومِ الحَديثِ مِن خِلالِ كُتُبِ الرِّوايةِ، وعدمُ الفَصلِ بين نَظريَّةِ عُلومِ الحَديثِ وبين تَطبيقاتِ المُحَدِّثينَ في مُصَنَّفاتِهم.
دِراسَةُ القَضايا التَّفصيليَّةِ في مَنهجِ الإمامِ البُخاريِّ خاصَّةً؛ كاختِلافاتِ المُتونِ، وزِياداتِ الثِّقاتِ، وفي مَناهِجِ المُحَدِّثينَ عامَّةً.
إعداد: محمد بن كمال دلرويش الرمحي
المشرف: الشيخ باسم بن فيصل الجوابرة
عدد الصفحات: 496 صفحة
الناشر: منتدى العلم النافع