إن القرآن العظيم هو البحر المحيط، ومنه يتشعب علم الأولين والآخرين كما قال الإمام الحداد رحمه الله تعالى:
ألا إنَّهُ البحرُ المحيطُ وغيره من الكتب أنهارٌ تُمَدُّ منَ البَحْرِ
ومن خاض غمار أمواجه.. استخرج الكبريت الأحمر، وعاد بالياقوت والدر الأزهر، والزبرجد الأخضر، والتقط العنبر الأشهب والعود الرطب الأنضر، واستدرَّ منه الترياق الأكبر والمسك الأذفر، ومن تهيَّب الغوص.. فليسأل من غاص، وكان لنا نعم النبراس.
لقد برع الإمام الغزالي رحمه الله تعالى في تقسيم سور القرآن وآياته إلى ستة أنواع: ثلاثة منها هي السوابق والأصول المهمة، وثلاثة هي الروادف والتوابع المتمَّة.
أما الثلاثة المهمة.. فهي: تعريف بالمدعو إليه، وتعريف بالصراط المستقيم الواجب ملازمته والسير عليه، وتعريف الحال عند الوصول إليه.
وأما الثلاثة المتمة.. فهي: التعريف بأحوال المحبين والناكبين للترغيب والترهيب، وحكاية أحوال الجاحدين لتثبيت المؤمنين، وتعريف عمارة منازل الطريق لأخذ الزاد.
ثم قسَّم العلوم الدينية إلى علوم الصدف والجوهر واللباب، وبيَّن أن العلوم كلها متشعبة من القرآن، وقرَّب للأذهان الربط بين عالم الملكوت بأمثلة من عالم الشهادة، ومن أراد فهم القرآن.. فعليه أن يطهر قلبه؛ لأن أسرار الملكوت محجوبة عن القلوب الدنسة، ثم فسَّر بعض ما رمز إليه من الكبريت الأحمر والترياق الأكبر والمسك الأذفر والعود الأنضر، وعرَّج على فضل بعض السور والآيات كـ (الفاتحة) مفتاح أبواب الجنان الثمانية، وآية الكرسي سيدة آي القرآن، و(الإخلاص) ثلث القرآن، ثم قسَّم لباب القرآن إلى نمط الجواهر، ونمط الدرر، ثم سرد الجواهر وهي سبع مئة وثلاث وستون آية على ترتيب السور، ودرر القرآن وهي سبع مئة وإحدى وأربعون آية فيها العبر.
والله نسأل أن ينفعنا بهذه الذكرى