لا شكَّ أنَّ الفقه مرتبته شريفة، ومزاياه منيفة، ولذا كان الاهتمامُ به في الدرجة الأُولى؛ لأنَّ سبيلَه سبيلُ الجنة، والعمل به حرزٌ من النَّار وجُنَّة؛ كما قال الإمام الحصني رحمه الله تعالى في مقدمة الكتاب.
ولأنَّ مشاغل الحياة الدنيا كثيرةٌ، وواجباتِ المؤمن عديدةٌ، ولأنَّ فضلَ الفقه عظيمٌ؛ إذ هو زبدة المصادر التشريعية.. أراد المؤلفُ رحمه الله أن يضعَ شرحاً فقهياً متوسِّطاً لطُلَّاب العلم المتخصصين وغير المتخصصين معاً.
ولأهمية كتاب «غاية الاختصار» المعروف بـ «متن أبي شُجاع» وانتشاره، وكثرة الاعتناء بحفظه.. جعلَ عليه هذا الشرح الجميل، الذي شرح فيه متن الكتاب وذكر التعريفات التي لا بدَّ منها، ودعم الأحكام الفقهية بالدليل وإن لم يكن.. فيشير إلى التعليل، مع شيء من التفسير والتخريج لا يُخرج الكتاب عن مُراده وموضوعه، إضافةً إلى التفريعات الفقهية الأُخرى التي تهمُّ طلَّاب العلم، بأسلوب واضح بيِّن رصين.
ومما زاده وضوحاً.. كثرةُ تقسيمات الكتابِ وتفريعاته.
وهو كتابٌ معروفٌ بين طلَّاب العلم ومشهورٌ جدّاً، ولطالما تأبَّطه المتفقِّهون.
علماً أن النُّسخ المطبوعة المتداوَلة بين طلَّاب العلم كثيرةُ الأخطاء والتحريفات، وبعضها يؤدّي إلى تغييرٍ للمعنى وللأسف، وهذا أمر خطيرٌ ومؤلمٌ.
وهذه الخطورة غير خفيَّة على طلَّاب العلم الذين يتعاملون معه بمضَضٍ وانقباضٍ شديدين.
وإن كان هذا هو الحال مع طلَّاب العلم فكيف بالعامَّة الذين قد يجري عليهم الخطأُ دون معرفةٍ وانتباهٍ منهم!!
ولقد حدَّثَنا بعضُ أهل العلم الذين اجتمعنا معهم بكثيرٍ من الإشكالات التي كانوا يمرُّون عليها أثناء دروسهم ويحاولون حلَّها قدر الإمكان، وأُسُّ هذه الإشكالات الأخطاءُ والتحريفاتُ.
ولفتوا انتباهنا إلى مدى الجهد الكبير الذي يمكن أن يواجهنا عند العمل بتحقيق هذا الكتاب القيِّم الذي لم يعطَ حقَّه عند أهل التحقيق.
وفعلاً كان الجهد كبيراً، وأكبر مما توقَّعنا، وقد آتى ثماره ولله الحمد والفضل والمنَّة، فكان العمل إنجازاً موفَّقاً بعون الله وفضله، رغم ما تكبدنا فيه من العناء.
ورغم أن الكتاب لطيف الحجم.. إلا أنه بطين المعنى.
ولذا فإن الجهد والتكاليف التي بذلت لأجله – وهو يستحقُّها – تساوي رفعة ما يحتويه الكتاب.
وإن مما أثرى هذا الكتاب وزاده زخماً علمياً وفوائد نادرةً نفيسةً: هو كثرة الأصول الخطيَّة التي لا تخلو من حواشٍ وتعليقاتٍ وفروق نسخٍ، استطعنا عبرها أن نستخرج كوامن الفقه وغوامضه الدَّفينة.
وكثرةُ الأصول الخطيَّة هذه جعلتنا ولله الحمد نتميَّز بالدقة والإتقان، والحرص على إخراج التراث الفقهي مبرّأً من وصمة التحريف والتصحيف.
وذلك لما تيسر لنا في هذا الزمان من تواصل بين أهل العلم وطلابه ومخطوطات التراث ومراجعه؛ فالهاتف والفاكس والإنترنت والمعارض ووسائل الاتصالات الأخرى تتلاقح عبرها الأفكار والمسائل.
وينبغي لطالب العلم والتحقيق أن يغتنم هذه الوسائل والفرص التي لم تكن موجودة سابقاً لكبار أهل العلم والتحقيق.
وكم بذلنا من جهد ومعاناة حتى حصلنا على نسخة المؤلف رحمه الله في مكتبة غوتا في ألمانيا؛ وهي مكتبة حوت العديد من المخطوطات النادرة.
وقد أدهشنا وجود مثل تلك المخطوطات في تلك البلاد النائية، وتحت إشراف تلك الحكومات، فيا عجباً أن تكون نوادر مخطوطاتنا قابعةً هناك!!
وأولى بنا نحن المسلمين أن نحرص على تراثنا ولا سيما النفيس منه فقد خدمه الأغراب فكيف بأهله؟!!
ورحم الله أحمد شوقي إذ يقول:
أَحرامٌ عَلى بَلابِلِهِ الدَّو حُ حَلالٌ لِلطَّيرِ مِن كُلِّ جِنسِ
وقد أكرمنا الله في هذا الكتاب بمقابلته على نسخ خطية ومطبوعة عديدة.
أما النسخ الخطّيّة.. فهي:
نسخة المؤلف النَّفيسة من ألمانيا، ونسختان قريبتا العهد من تاريخ انتهاء التأليف، ونسخة من جامعة الإمام محمد بن سعود، وأربع نسخ من المكتبة الأزهرية في مصر المحروسة.
وباجتماع هذه النسخ الخطية وفقنا لحل ما خفي من نقصٍ لكلمة أو تحريفٍ وتصحيفٍ لأخرى.
إضافة لما فيهنَّ من حواشٍ وهوامش وفوائد نفيسةٍ ومهمَّة قد زبرناها في التعليقات.
وأما المطبوعة.. فهي:
– نسخة للشيخ العلامة الشريف عبد الرحمن رشيد الخطيب الحسني (ت1367هـ) كان قد قرأها على شيخه العلامة أحمد الجوبري رحمه الله (ت 1361هـ)، وعلى شيخه وأخيه الأكبر الشريف محمد هاشم رشيد الخطيب (ت 1378هـ)، وعليها تعليقات وتصويبات كثيرة وقيِّمة.
– ونسختان للشيخ العلامة محمد هاشم المجذوب الشهير بالشافعيِّ الصغير رحمه الله، عليها تعليقات من قراءته على شيخه الشيخ محمد صالح العقاد كبير فقهاء الشافعية في البلاد الشاميَّة رحمه الله (ت 1390هـ).
كل هذا الجهد المتواضع كان استرضاءً لقلب صاحب «الكفاية»؛ إذْ نقدمه معجوناً، بتلك العنايات ونحن نرقب عين الرضا تكلأ العمل هانئة رضيّة، وتبهج فؤاد الناظر فيه آمناً مطمئناً، لا تعكر صفوه هناةُ الأخطاء العلمية والمطبعية.
ونرجو من الله العليِّ القدير أن يجعل عملنا هذا خالصاً وجهدنا مباركاً.
والحمد لله رب العالمين