الإمام الغزالي حجة الإسلام وبركة الأنام، الموفَّق المؤيَّد من الملك العلام، الذي أعاد الحق إلى نصابه، فكان نسيج وحده وفريد عصره، حينما بيَّن لنا في كتابه: أن الحق شرعةٌ للجميع، وأهل الحق: كلُّ من تلبَّس به أيّاً كانت أسماؤهم ونعوتهم، وهذا هو عين الإنصاف؛ فإن كثيراً من الفرق والطوائف أرادت احتكار الحق؛ لتجعله وقفاً عليها حتى لو اضطرها ذلك لإقصاء المخالف والتنكيل به.
لكنَّ الإمام الغزالي وضع قانوناً لذلك فقال: (فالعاقل يعرف الحق، ثم ينظر في نفس القول؛ فإن كان حقاً.. قبله؛ سواء كان قائله مبطلاً أو مُحقّاً…)، وهذا من مشكاة قول سيدنا معاذ رضي الله عنه: (اقبلوا الحق من كل مَن جاء به وإن كان كافراً، أو قال: فاجراً).
وإن غيبوبة العقل المتعمدة اليوم، وتشويه الحقائق وتزيين الباطل، وهيمنة الخداع والكذب.. لَيُلحُّ علينا بالرجوع إلى المنطق الصحيح، الذي يعصم الفكر عن الخطأ والزلل؛ إذ به تُرفع غاشية الوهم والظن لإبصار نور اليقين، ولنكشف أباطيل هؤلاء الدجالين.. لا بدَّ من التحصُّن بحصنٍ منيع، والركون إلى ركن مشيد، ولا يكون ذلك إلا ببناء عقل منطقي رتيب، يكشف لنا الحقائق، ويظهر الباطل ويدحض الزيف، والسبيل إلى ذلك يكون بإعداد جيلٍ ذي عقلٍ رشيد، لا تنخرق عنده أسوار البرهان، يتمكَّن من القواعد الصحيحة للمنطق المحرَّر الوجيز؛ فهو الميزان الصادق لكشف الأغلوطات، ونبذ الباطل، وقبول الحق.
وكم نتمنى ونحثُّ أصحاب الهيئات العلمية وواضعي المناهج الدراسية أن يتنبَّهوا لهذا الخطر المُحدق بعقول أبنائنا وأجيالنا، وأن يتداركوا ذلك بتحصينهم بهذه المؤلفات وأضرابها، فلنرجع إلى «المعيار» و«محك النظر» و«القسطاس» لنبني العقول على المنهج الصحيح، منهج أهل الحق، ودار المنهاج تغمرها السعادة بنشر هذه النفائس؛ لتضرب بسهم في تثقيف جيل الحاضر والمستقبل.