كتاب سطعت أنواره، وظهرت أسراره، واشتهرت أخباره، لمؤلفه الحافظ المحدث: نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي رحمه الله تعالى.
كتاب انعقدت الخناصر على تقديمه على ما سواه، فذاع صيته، وانتشر ضياه، فأنار الدجى سناه، وما ذاك إلا لفضل ما حواه.
فعلم السنة النبوية بعد القرآن أعظم العلوم قدراً، وأرقاها شرفاً وفخراً، ونفعه للأنام دنيا وأُخرى، وبتبليغه تتوالى عليك البركات تترى.
قال رسول الله : «نضَّر الله امرأً سمع مقالتي، فحفظها ووعاها، وأداها كما سمعها؛ فرب مبلَّغ أوعى من سامع، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه».
وقال أيضاً: «اللهم؛ ارحم خلفائي» قلنا: يا رسول الله؛ ومن خلفاؤك؟ قال: «الذين يروون أحاديثي ويعلمونها الناس»، قال الإمام السيوطي رحمه الله: وكأن تلقيب المحدِّث بأمير المؤمنين مأخوذ من هذا الحديث.
أهل الحديث هم أهل النبي وإن لم يصحبوا نفسه أنفاسه صحبوا
ولقد أخبرنا نبينا بصيانة هذا العلم علم الحديث وحفظه وعدالة ناقليه، وأن الله يوفق في كل عصر خلفاً من العدول يحملونه، فقال : «يحمل هذا العلم من كل خلفٍ عدوله؛ ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين» فهذه شهادة من سيد المرسلين .
من هؤلاء الأئمة العاملين، والحفاظ المحدثين من المتأخرين، الإمام: نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي أفاض الله عليه من رحماته، الذي قضى عمره في الاشتغال بالحديث، واشتهر بأنه كان من محاسن العصر، ومن أهل الخير، معمورة أوقاته بالتأليف والتدريس، وكان كثير التلاوة والتهجد، والعبادة والتفكر، وكان شديد الإنكار للمنكر، محيياً للسنة وناشراً للحديث.
لازم شيخه الحافظ زين الدين العراقي ملازمة الظل، فسمع منه ورحل معه، وحج برفقته مرات، ولم يفارقه حضراً ولا سفراً، وتزوج ابنة شيخه، وتخرج به، وقرأ عليه أكثر مصنفاته.
قال الحافظ ابن حجر وهو تلميذ للعراقي وللهيثمي: (ورأيت في خدمته – أي: الحافظ الهيثمي لشيخه العراقي – لشيخنا وتأدبه معه من غير تكلف لذلك ما لم أره لغيره، ولا أظن أحداً يقوى عليه).
فاتخذ الحافظ الهيثمي لنفسه طريقاً لم يسلكه أحد قبله، ألا وهو جمع الزوائد، ولعله رائد الميدان في هذا الباب؛ حتى غدا المعين الذي نهل منه من جاء بعده، وسبب جمعه لهذا الكتاب المبارك كما أشار في مقدمته.. هو نصيحة شيخه العراقي؛ حيث قال: (وبعد: فقد جمعت زوائد «مسند الإمام أحمد»، و«أبي يعلى الموصلي»، و«أبي بكر البزار»، ومعاجم الطبراني الثلاثة – رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وجعل الجنة مثواهم – كل واحد منهم في تصنيف مستقل، ما خلا «المعجم الأوسط» و«الصغير» فإنهما في تصنيف واحد، فقال لي سيدي وشيخي العلامة شيخ الحفاظ بالمشرق والمغرب، ومفيد الكبار ومن دونهم، زين الدين أبو الفضل عبد الرحيم بن العراقي رضي الله عنه وأرضاه، وجعل الجنة مثوانا ومثواه: اجمع هذه التصانيف، واحذف أسانيدها؛ لكي تجتمع أحاديث كل باب منها في باب واحد من هذا.
فلما رأيت إشارته إليَّ بذلك.. صرفت همتي إليه، وسألت الله تسهيله والإعانة عليه، وأسأل الله تعالى النفع به؛ إنه قريب مجيب).
ولا بد أن نشير إلى تدرج ذلك، فقد جمع أولاً زوائد «مسند أحمد» أي: الأحاديث الزائدة على الكتب الستة – وسماه «غاية المقصد في زوائد أحمد» في مجلدين.
ثم ثنى بكتاب «كشف الأستار من زوائد البزار»، ثم ثلث بزوائد «مسند أبي يعلى» وسماه «المقصد العلي في زوائد أبي يعلى الموصلي».
ثم صنف رابعاً زوائد «معجم الطبراني الكبير»، وسماه: «البدر المنير في زوائد المعجم الكبير، وختم ذلك خامساً بجمع زوائد المعجمين «الأوسط» و«الصغير»، وسماه «مجمع البحرين في زوائد المعجمين».
ثم جمع ما تقدم من أحاديث هذه المؤلفات، فحذف أسانيدها، ورتبها على أبواب الفقه، وجمعها كلها في كتاب واحد وسماه:
«مجمع الزوائد ومنبع الفوائد»
قال السيد العلامة محمد بن جعفر الكتاني رحمه الله عنه: (وهو من أنفع كتب الحديث، بل لم يوجد مثله كتاب، ولا صُنِّف نظيره في هذا الباب).
وقال السيد أحمد رافع الطهطاوي رحمه الله: (وهو من أهم كتب السنن بعد الأصول الستة، ومن يطلع عليه.. يخضع لجلالة قدر مؤلفه في الحديث).
وقال الشيخ عابد السندي رحمه الله: (وهو كتاب عظيم جليل القدر، كبير الشأن، لم أر أحداً سبقه إلى هذا المنهج الجلي، رضي الله عنه رضاء لا سخط بعده).
وها هي دار المنهاج تتحفنا بهذا السفر، المبارك العظيم القدر، ولا ننسى جهد محققه الشيخ حسين سليم أسد حفظه الله الذي أمضى في تحقيقه سنوات نافت على الثلاثين، والعمر أغلى ما يملكه الإنسان، ولقد اعتمد على نسخ نفيسة: منها نسخة بقراءة الحافظ ابن حجر على المؤلف، فغدا هذا الكتاب من تأليف الحافظ الهيثمي، بإشارة الحافظ العراقي، بقراءة الحافظ العسقلاني، رحمهم الله تعالى، مؤلفاً متقناً، ومجمعاً للزوائد نافعاً، تتراءى فوائده بين تضاعيف سطوره، وينجد المحدث حين يطالعه، وينظر في الكلام على أحاديثه، وهو كلام أغلى من الدر، وإلى دونه يحج طلبة الحديث