كتاب «مشكاة الأنوار».. كتابٌ وافق اسمه مسماه، بثَّ فيه الإمام الغزالي شيئاً من أسرار الأنوار، في تفسير بعض الآيات والأخبار، وسبب تأليف هذا الكتاب: أن أخاً كريماً من الأحباب، رفع للمؤلف سؤالاً يطلب فيه الجواب، عمَّا أشكل عليه من السنة والكتاب، فأجاب المؤلف رحمه الله تعالى تارة بالإشارة، وتارة بصريح العبارة، سأله أن يبثَّ إليه أسرار الأنوار الإلهية من تأويل ظواهر الآيات المتلوة والأخبار المروية؛ كقوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ}، فبدأ الإمام بالجواب وقسم النور ثلاثة أقسام: عند العوام، وعند الخواص، وعند خواص الخواص، وأن النور يُرَى بعين البصر، وعين القلب، وعين العقل، وأن البصر يغلط كثيراً بخلاف نور العقل.
ثم وضح أن العين عينان: عين ظاهرة وعين باطنة؛ فالظاهرة ترى بنور الشمس، والباطنة ترى بنور عالم الملكوت، فمن لم يعرج بروحه ورضي بالحضيض.. فقد نزل إلى مرتبة البهيمية، قال تعالى: { أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ }، والأنوار الأرضية تقتبس من الأنوار السماوية، ولكلٍّ ترتيب بحيث يقتبس بعضها من بعض إلى أن تصل إلى منبع النور؛ الذي هو النور لذاته وبذاته، وهو النور الحقيقي وما سواه مجاز، ثم وضح مثال المشكاة والمصباح والزجاجة والشجرة والزيت والنار، وبين مراتب الأرواح الخمسة، ثم انتقل لبيان الحجب؛ فمنها: حجب بمجرد الظلمة، ومنها: حجب بمجرد النور، ومنها: حجب بنور مقرون بظلمة، وكل هذا وغيره فصَّله بالأمثلة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
والله ولي التوفيق