هذا كتابٌ لم تكتحِلْ عينُ الزَّمانِ بمثلِه، اشتَملَ على فوائدَ عالية، ومَزايا سامية، قلَّ أنْ تُوجدَ في غيرِه مِنْ كُتُبِ الفنِّ، كما يُعتَبَرُ مِنْ ذَخَائرِ التُّراثِ الإسْلاميِّ، ومِنْ أجلِّ مؤلَّفات الإمام الشَّوكاني وأشهرِها، فقد أجادَ فيه كُلَّ الإجادة، وبلغَ فيه غايةً في الإحسان والإفادة، وسلَكَ فيه مسالِكَ معتدلة، وطرقاً واضحةً وأساليبَ سَهلة، حتى عدَّه بعضُ أهل العلم مِنْ أحسَنِ الكُتُبِ المُؤلَّفة في هذا الفنِّ، وحتى قال عنه مؤلِّفُه: إنه لم يرضَ عن شيءٍ مِنْ مُؤلَّفاتِه سِواه.
كما يُعدُّ هذا الكتابُ مِنَ الكُتُبِ الفقهية المَوسُومة بِسِمَةِ الاجتهاد ونَبذِ التَّقلِيدِ، فقد أعطى مصنِّفُه مسائلَه حقَّها على طريق الإنصافْ، وعدم التقيُّد بمذاهب الأسلافْ، وقَرَّب فيه أوطارَه، وشَرَح أحاديثَه وأخبارَه، وكَشَف معانيَه وأسرارَه، فتناولَها من أعالي الرُّفوف، وجعلَها دانيةَ القطوف، تُشبِع حاجةَ الطالب، وتُرضي نُهمةَ الرَّاغب، ممَّا جَعَلَهُ كتاباً مُعتمَداً ومقبُولاً في الأوساط العلمية كافَّة.
كما اكتسبَ أهميةً زائدةً كونَه الشرحَ الوحيدَ المطبوعَ لمتنٍ متينٍ وحِرزٍ حَصِينٍ في الحديث الشريف، ألا وهو المَتنُ المَوسُوم بـ:((المُنتَقَى مِنَ الأخبارِ في الأحكام)) للمَجدِ ابنِ تيميَّة، والذي يُعدُّ مِنْ أوسَع كُتُبِ أحاديث الأحكام, وأكثرها شُمولاً وفائدة؛ إذْ إنَّه لم يُنسَجْ على بَديعِ مِنواله، ولا حُرِّر على شكله ومثالِه.