لقد أجمع أهل العلم في كلِّ عصر ومِصْر: أنَّ «صحيح البخاري» أصحّ كتاب تحت أديم السَّماء بعد كتابِ الله تعالى، فليس فوقه إلّاه، ودونه ما عداه.
لذلك كان هذا الكتاب المبارك ممَّا توافر على قراءته وتدريسه أولو العلم قاطبة؛ إدراكاً منهم بعظم مكانته، وكثرة فوائده، ولِمَا له من أهميَّة كبرى؛ فهو في باب السُّنَّة، عظيم الجدوى؛ لاشتماله على جَمْع الأصحّ والصحيح، ولا سيَّما أن مؤلِّفه أمير المؤمنين في الحديث.
وكان من البدهي أن يُعْنَى به المُحَدِّثون، ويقوم بضبط رواياته المحقِّقون، ويسهر على تحصيله المتخصِّصون المدقِّقون، وينبري لإيضاحه واستنباط أحكامه الفقهاء الرَّاسخون، فحَظِيَ بالعناية الفائقة من كلِّ جهة وناحية، وتعدَّدت طبعاته، وعمَّت نفحاته.
ولما للطبعة الأميريَّة من مزيَّة؛ إذ هي أصحُّ الطَّبعات وأجلّها في هذه الأزمان، باتِّفاق أهل الحذق والإتقان.. رأينا إعادة طبعها، ولكن مع ضمِّ مزايا أُخرى إليها؛ ليجتمع في هذه الطَّبعة من الفوائد المنتقاة، والجواهر المتصيَّدة ما لا يوجد في غيرها من الطَّبعات الأُخرى.
أضف إلى ذلك: أنَّ هذه الطَّبعة اعتمدت على أصل عظيم تواطأ المُحَدِّثُون على دقَّته وضبطه، وهو نسخة الحافظ اليُونيني رحمه الله، إضافة إلى مزايا جمَّة، تتلألأ بها صفحات هذا الجامع المبارك، ومنها:
– تلك المقدمة الضافية، التي ترسل أشعة البيان على الجامع، ومُصَنِّفه، ورُوَاتِه، وغير ذلك.
– وتلك الجهود المتعلِّقة بذكر مواطن الحديث في أشهر شروحه، وبيان أطرافه مقترنة بأرقامها، والإشارة إلى من أخرجه من أصحاب الكتب السِّتَّة المعتمدة.
وليس من المبالغة إذا قلنا: إن هذه الطَّبعة هي واسطةُ العقد بين الطَّبعات؛ لاشتمالها على فوائد مهمَّات، وإشارات جليَّات، مع أناقة الطَّبع، وجودة الإخراج