هذا كتابٌ حَوَى مِنْ بَدِيعِ المَقامات خمسِين، وقَفَ البُلَغاءُ دُونَ بَحرِ كُنْهِها عاجِزِين، حَوَتْ مِنَ الأسْجاع وغيرِها من أبوابِ الصَّنْعةِ ما يُنْبِي عَنْ وَجْهِ تَمكُّن مُؤلِّفها وثَباتِ قَدَمِه، ومِنَ البَدِيعِ وجُمَانات الألفاظِ ما يَدُلُّ عَلَى تفرُّدِ إنْشَائِه وقَلَمِه، كيفَ وقد زَيَّنَها بالطِّباق والتَّجْنِيسِ والتَّسْجِيعِ والتَّرصِيع.
أنشأَها وشَرَحَها علَّامةُ الدُّنيا بلا خِلاف، البَحرُ الطَّامِي صاحِبُ ((الكَشَّاف))، والذي تُعقَدُ خَنَاصِرُ أهلِ اللِّسان العَرَبيِّ عَلَيه؛ إذ هو الخَبِيرُ بمكنوناتِ ما أنشَأ، وبجَوَاهِر ما أَبْدَع.
ألا وهو: الإمامُ الأجَلُّ فَخْرُ خُوَارَزْمَ جارُ اللهِ أبو القاسمِ محمودُ بنُ عُمَرَ بنِ مُحمَّدٍ الخُوَارَزْمِيُّ الزَّمَخْشَرِيُّ، من أئمَّة العِلم باللغة والآداب والتفسير والكلام.
وُلِدَ في (زَمَخْشَرَ) مِنْ قُرَى (خُوَارَزْمَ) سنةَ (467هـ)، وسافر إلى مكَّةَ فجاوَرَ بها زمناً فلُقِّبَ بجارِ الله، وتنقَّلَ في البُلْدان، ثم عاد إلى (الجُرْجَانِيَّةِ) مِنْ قُرَى (خُوَارَزْمَ) فتوفي فيها سنة (538هـ).
كان معتزليَّ المَذهب، مُجَاهِراً، شديدَ الإنكار على المُتصوِّفة.
أشهرُ كُتُبه: ((الكشاف)) في تفسير القرآن، و((أساس البلاغة))، و ((المفصل)) في النحو، و((المَقامات))، وهو كتابُنا هذا، و((الجبال والأمكنة والمياه))، و((الفائق)) في غريب الحديث، و((المُستقصَى)) في الأمثال، و((نوابغ الكلم))، و((ربيع الأبرار))، و((القِسْطاس)) في العروض، و((الأنموذج)) اقتضبه من ((المُفصَّل))، و((أطواق الذهب))، و((أعجب العجب في شرح لامية العرب))، وغيرها الكثير.