رسالة لطيفة تهيج مشاعر كل غريب عن وطنه؛ لأنها تذكره أهله وطفولته وشبابه، وفطرة الرجل معجونة بحب وطنه، وإذا كانت الإبل تحن إلى أوطانها، والطير تقطع المسافات لترجع إلى أوكارها؛ فإن الإنسان لو دار الدنيا بأسرها.. لما وجد أجمل من بلده.
وحبَّب أوطان الرجال إليهمُ مآربُ قضَّاها الشباب هنالكا
إذا ذكروا أوطانهُم ذكَّرتهمُ عهودَ الصبا فيها فحنُّوا لذلكا
أورد المؤلف رحمه الله تعالى في رسالته بركة الشام، ودعاء النبي عليه الصلاة والسلام للشام وأهل الشام، وأنها معقل المؤمنين، وملجأ الهاربين، وبها ينزل سيدنا عيسى عليه السلام لإعزاز الدين، ونصرة الموحدين.
ولما سأله سيدنا عبد الله بن حوالة رضي الله عنه فقال: يا رسول الله؛ خر لي.. قال : «عليك بالشام، فمن أبى.. فليلحق بيمنه، وليسقِ من غُدُرِه؛ فإن الله تكفل لي بالشام وأهله»، ومن تكفَّل الله تعالى به.. فلا ضيعة عليه.
وأخبر : أن عمود الإسلام عند وقوع الفتن يكون بالشام، فمن بسط على أهلها الفضل، ونشر فيها العدل.. فإن النصر ينزل عليه من السماء، ومن جار فيها وظلم وأنزل بأهلها أنواع البلاء.. فإن الله تعالى لا يهمله ولا يمهله، بل يعاجله باستلاب ملكه في حياته، أو يلقيه بأنواع البلاء وأبواب الشقاء؛ لأنه آذى من هم في كفالة رب الأرض والسماء، واتصلت أذيته بالأبدال والأولياء، وأن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها على الشام، يحرسونها ويحفظونها.
قال سيدنا علي رضي الله عنه لما سألوه سبَّ أهل الشام: (مه لا تسبوا أهل الشام جماً غفيراً؛ فإن فيهم الأبدال، فإن فيهم الأبدال، فإن فيهم الأبدال)، وقال أيضاً: (لا تسبوا أهل الشام وسبوا ظلمتهم).
وهذه الرسالة المباركة وإن كانت قد ألفت قبل ثمانية قرون إلا أن مضمونها ومحتواها يخاطب أهل هذا الزمان، واللبيب تكفيه الإشارة.
فرحم الله أئمتنا وعلماءنا الذين اجتهدوا في التبليغ عن الحبيب الشفيع .
ودار المنهاج تقدم رسالة العز لأهل الإسلام، تحفة للأنام؛ ليعرفوا قدر الشام، ويرغبوا في سكناها ولو بالنية، نسأل الله سكنى الشام وحسن الختام