إذا مات العالم.. انثلم في الإسلام ثُلمة، ولا يسدها شيء إلى يوم القيامة، ونقصان الأرض: موت علمائها، فكيف إذا كان المرتقي إلى الرفيق الأعلى هو الرحمة المهداة للعالمين، وقائد الغر المحجلين إلى جنات النعيم؟! .
ويدنو أجل النبي ويقترب، فيذكِّر أصحابه الكرام بذلك، ويعرِّض لهم شفقة عليهم، وكانوا كلما سمعوا شيئاً من هذا الحديث.. أجهشوا بالبكاء، واختنقوا بالعبرات، وسُمع لصدورهم أزيز كأزيز المراجل، تغلي بالحنين والأنين إلى رسول الله .
قال في حجة الوداع: «لعلي لا أراكم بعد عامي هذا» إنه يهيئ الصحابة الكرام لهذه اللحظات الشداد؛ لئلا تفجأهم الواقعة، وتصيبهم الصدمة بمكروه.
وقال لمعاذ لما بعثه إلى اليمن وهو يمشي ومعاذ راكب: «يا معاذ؛ إنك عسى ألَّا تلقاني بعد عامي هذا، أو لعلك أن تمر بمسجدي هذا أو قبري» فبكى معاذ رضي الله عنه حزناً لفراق رسول الله .
قال سيدنا عقبة بن عامر رضي الله عنه: صلى رسول الله على قتلى أحد بعد ثماني سنين كالمودع للأحياء والأموات، ثم طلع المنبر فقال: «إنِّي بين أيديكم فرط، وأنا عليكم شهيد، وإن موعدكم الحوض، وإني لأنظر إليه من مقامي هذا، وإني لست أخشى عليكم أن تشركوا، ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوها» قال عقبة: فكانت آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله .
ثم تظهر أعراض المرض، ويشتد حتى أغمي عليه ، وكان يُعوِّذ نفسه كل مرة إلا هذه المرة من شدة الألم نفثت عليه سيدتنا عائشة، وأمر أبا بكر أن يصلي بالناس، وطلب أن يهراق عليه من ماء سبعة آبار؛ لشدة ما يجد .
وآخر الكلمات: الصلاة وما ملكت أيمانكم، لا إله إلا الله، إن للموت لسكرات، في الرفيق الأعلى، ويودع الدنيا بالسواك، وتنتقل الروح لباريها، وتصمت الدنيا، ويسكن الكون، وينقطع خبر السماء، وتسكب العبرات، وأظلم من المدينة كل شيء، ويبكيه الصغير والكبير، قال الصحابة الكرام: لما أهلنا عليه التراب.. أنكرنا قلوبنا، وأخذت سيدتنا فاطمة رضي الله عنها من تراب القبر فوضعته على عينها وبكت وقالت:
ماذا على من شم تربة أحمد ألا يشم مدى الزمان غواليا
صبت علي مصائب لو أنها صبت على الأيام صِرنَ لياليا
ودار المنهاج تقدم هذا الكتاب اللطيف الذي يتحدث عن تلك اللحظات، لحظات الوداع لسيد الوجود من صحاح الأحاديث التي جمعها الدكتور نزار الريان رحمه الله تعالى؛ لتتعزى الأمة بمصابها بنبيها