إن من حكمة الله عز وجل إذا أرسل رسولاً أن يعزره بالدلائل الواضحة، التي تدل على صدق نبوته، وأن يؤيده بالشواهد القاطعة؛ بحيث لا تدع لمرتاب حجة، وما أرسل الله من نبي إلا وقد أعطاه ما على مثله آمن قومه، وما ذاك إلا لأجل الإعذار. ورسولنا الكريـم صلى الله عليه وسلم لـم يكـن بدعاً من الرسـل، بل كان سبيله كسبيلهم، فهو مؤيد من الله عز وجل بأنواع من الدلائل، ومؤزر بأصناف من الشواهد، فمن عمي عن واحد، لن يعمى عن الآخر. ولما كان نبينا خاتم النبيين، وأكرم الرسل على رب العالمين، فقد ميزه ربه بشيء من الدلائل التي لم يشركه فيها أحد، ولم تكن لنبي قبله. وقد أخذ الله تعالى على الأنبياء كافة العهد والميثاق إن هم أدركوه أن يؤمنوا به، وأن ينصروه، فأقروا بذلك، فهؤلاء الأنبياء الذين عرف أقوامُهم صدقَهم بالدلائل الكثيرة آمنوا به، وصدقوه قبل أن يكون، فعلى أقوامهم أن يؤمنوا به كما آمنت به رسلهم في عالم الغيب. ولما ذاع وانتشر وتواتر بين الناس ذلك كونه صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء، لم يستطع أحد أن يزعم أنه نبي يوحى إليه، ثم يكون له شأن وأتباع، بل كل من ادعى النبوة بعده افتضح أمره، وكانت عاقبته إلى خسران. وقد اعتنى علماء السلف بمعجزات النبي صلى الله عليه وسلم، وبدلائل نبوته، وشواهد صدقه، وأفردوا هذه المعارف بالتصنيف، وسموها: دلائل النبوة، وما هذا الكتاب إلا حلقة في سلسلة طويلة من تراث سلفنا الصالح رحمهم الله ورضي عنهم.